أجرت جريدة “بيلد” الألمانية لقاءً مع الصحفية التركية التي كانت محطّ أنظار العالم بأسره في ليلة الانقلاب الفاشل في تركيا، بعد أن نجحت في إقناع الرئيس رجب طيب أردوغان في إجراء مكالمة عبر الهاتف ساهمت في قلب الموازين لصالحه،متحدثه عن مشاعرها الخاصة بشأن الانقلاب والظروف الصعبة التي مرت بها.
هند فيرات أكدت أن الهاتف الذي أجرت به الاتصال مع أردوغان كان هاتفها الشخصي، الذي ظلت تحمله طوال تلك الليلة.
وعن مشاعرها حينها وهي تتحدّث مع الرئيس التركي في اللحظة الأكثر حسماً في تركيا خلال العقود الأخيرة، قالت إنها لتتحدّثَ عمّا شعرت به عليها سردُ كل ما جرى معها ذلك اليوم.
وقالت إن ذلك اليوم كان اعتيادياً، وإنها كانت عائدة إلى منزلها بعد انتهاء مناوبتها، عندما رنّ هاتفها وقال مصدرٌ إخباري لها “هند، شيء غريب يحدث،، غريب جداً.. الجنود ينزلون إلى الشارع”، ثم تبعه اتصال من مدير تحرير غرفة أخبار أنقرة ساق نفس المعلومات، فاتصلت مع المدير العام ودار حوارٌ مماثل بينهما، ثم تحدث معها مصدرٌ إخباري آخر قائلاً: ”هند، الجنود أوقفوا ١٥ شرطياً في إسطنبول وجمعوا أسلحتهم، لذا اذهبي لغرفة الأخبار، الليلة غريبة”.
وأضافت أنها كتبت عبر برنامج “واتساب” لطاقم غرفة الأخبار في أنقرة تخبرهم أن يذهبوا للمكتب فوراً، قبل أن تضع ابنتها لدى والدتها، وتبدأ بالتواصل مع المصادر الإخبارية وهي في طريقها.
وأشارت إلى أن بعض السياسيين لم يكونوا على علم بالأمر، لكن مصادر أمنية أخبرتها بأمور عدة، وعندما دخلت غرفة الأخبار كانت مشاهد الجنود على جسر البوسفور ظاهرة على الشاشة، فجلست أمام الكاميرا منقطعة الأنفاس وبدأت بالحديث عن أنقرة.
وبينت أنهم كانوا منظمين، فكان مراسلوهم موجودين على الهواء في مناطق رئيسية في أنقرة، لكنه لاحقاً تم إطلاق النار على الناس وبدأت الطائرات بالقصف والمروحيات بفتح نيران رشاشاتها، واصفة ذلك بالكارثة.
وأوضحت أن غرفة الأخبار قريبة جداً من المجمع الرئاسي، لذا كانوا يشعرون بالذعر كلما ألقت الطائرات بقنابلها، مشيرة إلى أنها كانت قلقة جداً، وأنها كانت تتصل خلال الاستراحة مع مصادر إخبارية، بينهم مسؤولون رئاسيون.
وقالت إن الرئيس التركي كان في تلك اللحظة في مرمريس، وتحدثت إلى اثنين من مساعديه التنفيذيين، فقال أحدهم وهو حسان دوغان إن “الرئيس سيدلي ببيان للصحافة”، فنقلته كخبرٍ عاجل، لكن بعد مرور ساعة لم يكن هناك من بيان، مضيفةً أنهم لم يكونوا يعلمون بأن مروحيتين أطلقتا النار على الفندق الذي كان يقيم فيه الرئيس.
وتابعت أنها اتصلت بدوغان مرة أخرى، و قالت له إن “هناك الكثير من المزاعم عن أن الرئيس لم يدلِ ببيان” وسألته إن كانوا بخير أم لا، فأجابها بأنهم قد أدلوا ببيان عبر برنامج بيرسكوب، فقالت هند له “لكن ما من أحد على علم به، فلتدلوا ببيان آخر لسي إن إن ترك”.
وأوضحت أنه في وقت إجراء ذلك الاتصال كان الرئيس ومن معه خارج الفندق بسبب الهجمات عليه، لذا لم يكن هناك كاميرا أو معدات بث أو سيارة تابعة للتلفزيون، لذا عرضت عليهم إجراءه عبر الهاتف، فسأل الرئيس أردوغان ثم عاد فسألها إن كان لديها برنامج سكايب أم لا، فقالت له “دعنا نجريه عبر برنامج فيس تايم” فاتصلوا بها حالاً عبره فشاهدت الرئيس على الشاشة، وصاحت بالمحررين من الأستديو حيث تجلس تخبرهم بأن الرئيس على الهاتف وعليهم الإسراع.
وقالت “هند” إن يديها كانتا ترتجفان، إذ كانت منفعلة وقلقة جداً على الوضع في بلادها، وقامت بإطفاء المايكروفون الخاص بها لجعل صوت أردوغان مسموعاً وبدأ اللقاء.
ولدى سؤال الصحفية فيما إذا كان اتصال “فيس تايم” الأكثر أهمية خلال محاولة الانقلاب الفاشلة، أجابت هند: ”نعم، كان بالطبع اللحظة الأكثر أهمية. لكن بالإضافة لذلك، إلى تلك اللحظة لم يكن أحدٌ قد شاهد الرئيس وكان هناك ادعاءات أيضاً حول فيما إذا كان حياً أم لا. الناس شاهدوا وسمعوا أردوغان من الهاتف. نداؤه إلى إنقاذ وتثبيت الديمقراطية غيّر الصورة بأكملها. نعم كانت نقطة التحول.”
ولدى سؤالها إن كانت خائفة من أن يتسبب الاتصالان اللذان وصلاها في انقطاع أهم محادثة في تاريخها المهني، قالت “نعم تحدث معي أمورٌ غريبة، تصور كنت على الهاتف مع أهم شخصية في ذلك المساء فيما كان الجيش يحاول تنفيذ انقلاب، وبدأ هاتفي بالرنين، لكن دعني أشرح.
الاتصال الأول، كان خبراً عاجلاً أيضاً، هاجم محاولو الانقلاب جهاز المخابرات الوطني في وقت سابق، فاتصلت مع متحدث باسم الجهاز، نوح يلماز، وفي تلك اللحظة عاود الاتصال بي، لكن التوقيت كان خاطئاً! في البداية خشيت من انقطاع المحادثة إن قمت برفض المكالمة، ثم قمت برفضها.
الاتصال الثاني كان من أحد صديقاتي، تونا، التي لم تكن تشاهد التلفاز في تلك اللحظة بسبب عطلٍ فني في منزلها، وكانت تتصل لتسألني إن كنت بخير أم لا”.
وفيما إذا كانت قد اشتكت بلطف لتونا بشأن الاتصال، بعد انتهاء كل شيء، قالت : ”لاحقاً اتصلت بها وأخبرتها أنه (تونا أصبحت مشهورة جداً من الآن وصاعداً)، وعلمت أيضاً أن بعض أصدقائي فكروا في الاتصال بي في تلك اللحظة لكي يظهروا أسماءهم على تلك الشاشة!”.
وقالت هند واصفة شعورها بعد انتهاء الاتصال الهاتفي ”كنت متأثرة بابنتي نيهير، البالغة من العمر ١١ عاماً. في تلك الليلة تحدثت معها عدة مرات. كانت مذعورة وتبكي. في كل مرة تقول “هل أنت بخير أمي. متى ستنتهي القنابل وأصوات الطائرات. متى ستعودين للمنزل؟”، مضيفة أنها سألتها أيضاً: ”ماذا يعني انقلاب؟ أليس هؤلاء جنودنا؟“.
وأضافت أنها كانت متأثرة بهذه الكلمات، وكانت عالقة في ذهنها وهي تتحدث مع الرئيس على الهاتف، وتسأل نفسها “لم نواجه مثل هذه الأشياء في عالمنا اليوم”، لافتة إلى أنها ظنت بأنه يتعين أن تعود الحياة لطبيعتها وأنها كانت بصراحة خائفة للغاية تلك الليلة.
وذكرت أنه عندما كانت الطائرات تحلّق فوقهم وكانوا ينزلون للملاجئ كانت تتساءل ”يا إلهي، هل يحدث هذا بالفعل؟”، وأن الوضع كان مهزوزاً للغاية فأخبرت مراسليهم بالعودة لمنازلهم على شكل مجموعات وكذلك فعلت هي، فيما بقي مدير التحرير ومحرر وموظفان من القسم الفني في الملجأ، مشيرة إلى أنها صلّت وتمنّت نهاية الكابوس تلك الليلة وأن تعود الأمور لطبيعتها.
وبسؤال المذيعة فيما إذا كانت خائفة من عقاب الانقلابيين، إذ اقتحموا بعد الاتصال مع الرئيس بساعات الأستوديو، أو أخبروها شيئاً بخصوصه، قالت إنهم كانوا خائفين بالفعل من الطائرات الحربية، ولم تدر أنهم يخططون للمجيء لمكتب أنقرة.
ولم تسمع أي شيء قالوه عنها، موضحةً أنها أدت عملها وستفعل ذلك مجدداً إن حدث ذلك اليوم أيضاً. وأنها أرادت أن تترك لطفلتها وطناً بديمقراطية قوية، واصفةً الديمقراطية والحرية، بالضروريات كالماء والهواء.
ونفت “هند” أن يكون أردوغان قد تواصل معها بعد ذلك، أو شكرها لحفاظها على رئاسته، لافتةً إلى تلقيها مكالمات كثيرة من المواطنين، والمئات من رسائل البريد الإلكتروني، وأرسل أحدهم وروداً لها.
وأوضحت أنها تلقت الكثير من الرسائل النصية من أناس من دول أخرى خاصة من السعودية وقطر ومصر، وأن رجل أعمال سعودي عرض ٢٥٠ ألف دولار لشراء هاتفها. وتمت تسمية هاتفها بـ”هاتف الحرية”على موقع تويتر، وأن عدداً كبيراً من السياسيين من مختلف الأحزاب السياسية اتصلوا بها.
وقالت هند للصحيفة: “أتعلمون اللحظة الأكثر أهمية؟ كانت لمّا أجبت (نعم لقد انتهى) عندما سألتني ابنتي إن كان انتهى الأمر أم لا”.
مضيفةً أنه “أخيراً علينا أن نعرف جميعاً أنه في العام ٢٠١٦ في البلاد التي لطالما اعتدنا العيش فيها مع الديمقراطية، ليس لدينا خيارٌ آخر غير الديمقراطية”.
التعليقات
اترك تعليقاً