تحدّث إمام وخطيب المسجد النبوي, الشيخ الدكتور علي بن عبدالرحمن الحذيفي؛ عن الموت, بوصفه نهاية كل حيٍ, ومآل كل إنسان في هذه الدنيا, مذكّراً بأهمية الاستعداد للموت والعمل لما بعده, والانصراف عن متاع الحياة الدنيا, وإخلاص العبودية لله وحده لا شريك له.
وقال “الحذيفي”؛ في خطبة الجمعة: “كل إنسان يسعى في هذه الحياة الدنيا لمنافعه وإصلاح أمره, فمنهم مَن يصلح دينه مع إصلاح دنياه, وهؤلاء الذين آتاهم الله في الدنيا حسنة, وفي الآخرة حسنة ووقاهم عذاب النار, ومنهم مَن يسعى لصلاح الدنيا دون صلاح الآخرة, فهؤلاء مَن خاب عملهم وخسروا آخرتهم, فسبحان الله الذي جعل لكل قلب هماً, وخلق لكل أحد إرادة وعزماً, يفعل إذا شاء, ويترك إذا أراد, مذكّراً أن إرادة الله ومشيئته فوق كل إرادة, وفوق كل مشيئة لقوله تعالى “وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ”.
وأضاف: “الموت غاية كل مخلوق ونهاية كل حي في هذه الدنيا, وقد كتبه الله حتى على الملائكة جبريل وميكائيل وإسرافيل عليهم الصلاة والسلام, لقول الله تعالى “كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ, وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ “.
وأردف: “الموت أول دار الآخرة, به ينقطع متاع الحياة الدنيا, ويرى الميت بعد موته النعيم المقيم أو العذاب الأليم, وأن الموت آية من آيات الله الدالة على قدرة الله تعالى وقهره لمخلوقاته, وقال تعالى “وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ”.
وتابع: الموت عدلٌ من الله سبحانه, تستوي المخلوقات فيه, فقال سبحانه” كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ثُمَّ إِلَيْنَا تُرْجَعُونَ”.
وقال “الحذيفي”: “الموت يقطع اللذات وينهي من البدن الحركات, ويفرّق الجماعات, ويحول دون المأمولات والملذات, تفرّد الله به مع الحياة, قال الله تعالى “وَهُوَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ وَلَهُ اخْتِلَافُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ”.
ومذكراً بأن الموت حقّ ومصير كل حي؛ أضاف خطيب المسجد النبوي: “الموت لا يمنعه بواب ولا يدفعه حُجّاب, ولا يغني عنه مال ولا ولد ولا أصحاب, لا ينجو منه صغير ولا كبير ولا غني ولا فقير, قال الله تعالى “أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ، وقال جلّ وعلا “قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلاقِيكُمْ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ”.
وأردف: “الموت لا يستأذن على أحد إلّا الأنبياء لكرامتهم على الله – عزّ وجلّ -, عليهم الصلاة والسلام, ففي الحديث “ما من نبي إلا خيّره الله على الخلود في الدنيا ثم الجنة, أو فيختار الموت”.
وتابع: “لقد شاء الله تعالى أن يخرج ابن آدم من الدنيا بالموت ليقطع علائقه منها, فلا تحنّ شعرة منه إليها إذا كان مؤمناً, لما رواه أنس – رضي الله عنه – أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: “ما من أحد له عند الله منزلة يحب أن يرجع إلى الدنيا وله ما على الأرض من شيء إلا الشهيد, يتمنى أن يرجع إلى الدنيا فيقتل عشر مرات لما يرى من الكرامة”.
وقال “الحذيفي”: “الموت مصيبة لابد منها, وألم الموت لا يقدر أحدٌ أن يصفه لشدّته, فالروح تنزع منه من العروق واللحم والعصب, فكل ألم شديد فهو دون الموت”.
وأورد حديث عائشة – رضي الله عنها -, حينما قالت: رأيت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وهو بالموت عنده قدحٌ فيه ماء وهو يدخل يده في القدح ثم يمسح وجهه بالماء، وهو يقول إن للموت لسكرات”.
وأضاف: “مَن أراد ذكر الموت رقّ قلبه وصلح عمله وحاله, ولم يتجرّأ على المعاصي, ولم يضع الفرائض, ولم تغرّه الدنيا بزخرفها, ومَن نسي الموت قسا قلبه وركن إلى الدنيا وساء عمله وطال أمله, فتذكر الموت أعظم المواعظ, مورداً حديث أبي هريرة – رضي الله عنه -, أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال “أكثروا ذكر هادم اللذات” رواه الترمذي والنسائي، وعن أبيّ بن كعب – رضي الله عنه – قال, كان رسول الله – صلى الله عليه وسلم – إذا ذهب ثلث الليل قال, يا أيها الناس اذكروا الله جاءت الراجفة تتبعها الرادفة, جاء الموت بما فيه”. رواه الترمذي.
وأكّد إمام وخطيب المسجد النبوي، أن السعادة كل السعادة, والتوفيق كل التوفيق, والفوز كل الفوز في الاستعداد للموت, فالموت أول باب للجنة, وأول باب للنار, فالاستعداد للموت بتحقيق التوحيد لله رب العالمين, بعبادة الله وحده لا يشرك به شيئاً, عن أنس – رضي الله عنه – قال سمعت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يقول قال الله تعالى: “يا ابن آدم إنك لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئا, لا أتيتك بقرابها مغفرة”.
وقال: “الاستعداد للموت بحفظ الحدود والفرائض, واجتناب الذنوب والكبائر, وأداء حقوق الخلق وعدم تضييعها أو المماطلة بها, فحقّ الله قد يعفو سبحانه عمّا دون الشرك فيه, أم حقوق الخلق لا يعفو الله عنها إلّا بأخذها من الظالم وإعطاء المظلوم حقه, والاستعداد للموت أن يكون متأهباً لنزوله في كل وقت وحين”.
وأضاف “الحذيفي”: “السعادة العظمى والفوز الأكبر أن يختم للميّت بخير, وفي الحديث “الأعمال بالخواتيم”, وعن معاذ – رضي الله عنه – قال, قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم- “من كان آخر كلامه من الدنيا لا إله إلا الله دخل الجنة”. رواه أبو داوود والحاكم.
وأردف: “مما يتأكّد العمل به تلقين المحتضر الشهادة برفق ولطف, فعن أبي مسعود – رضي الله عنه – قال, قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – “لقنوا موتاكم الشهادة” رواه مسلم”.
وذكر إمام وخطيب المسجد النبوي، أن الشقاوة في الذهول عن الموت ونسيانه, وترك الاستعداد له, والجرأة على المعاصي والذنوب, وتضييع توحيد الرب – جلّ وعلا -, والعدوان والظلم وسفك الدم الحرام, وتضييع حقوق الخلق, والانغماس في الملذات والشهوات والمحرمات حتى ينزل الموت بغتة فلا ينفع الندم ولا يتأخر الأجل, قال تعالى “حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ”.
التعليقات
ياكثر المظالم كثراه وياكثر تضييع حقوق العباد يافضيلة الشيخ .
كم من مظلوم صاح واشتكى من قسوة الظلم ولا وجد مين ينصره على من ظلمه .
وكم من أناس ضعفاء فقراء مساكين باتوا وهم جياعآ .
وكم من مريض تلوى من آلآمه لأنه لا يملك حق الدواء
وكم وكم وكم وكم من ومن ومن ومن أكلت حقوقهم وذهبت إلى جيوب من لا يرحمون .
اترك تعليقاً