قدم مركز الخليج العربي للدراسات الايرانية دراسة رصدت معالم التوظيف السياسي لعقيدة المهدويَّة في السياسة الإيرانيَّة، ودورها في تثوير المذهب، وشرعنة تمدّد الدولة الإيرانيَّة خارج أراضيها، والزجّ بالشباب الشيعيّ في معارك خارج أرضه، وكيف انقلبت إيران ما بعد الخميني على ثوابت المذهب الشيعيّ -في العقيدة المهدويَّة- وميراثه الفقهيّ والحوزويّ، وجعلته مطيّة لأغراضها السياسيَّة، تحت مزاعم تحضير البنْية الخصبة لظهور المهديّ.
المقاربات الشيعيَّة لغياب المهديّ:
في فضاء الفكر الشيعيّ الاثنا عشري ثلاث مقاربات في فقه الدولة في أثناء غياب المهديّ:
1- المقاربة التقليديَّة: خلاصة هذه المقاربة هي وجوب انتظار ظهور الإمام الغائب وامتناع المشاركة السياسيَّة حتى ظهوره، والتمهيد لظهوره يكمن في عقيدة الانتظار، ومن ثَمّ الابتعاد عن شؤون الدولة والحكم والسياسة. وهذه المقاربة هي المعتمدة من فقهاء الخطّ الإماميّ قديمًا وحديثًا، حتى قدوم الخميني، وإليه تنتمي مدرسة النجف، وقطاع كبير في مشهد وقم حيث التفكيكيّون والإخباريّون.
وظلّت المدرسة الشيعيَّة تعتقد بأنّ الفقه هو القادر على تقدّم الأمم، وأنّ النصّ السلطويّ أمر أُغلِق تمامًا، وأنّ أيّ «راية تخرج قبل خروج المهديّ هي راية ضلال، أو كل راية تُرفع قبل قيام القائم فصاحبها طاغوت يُعبد من دون الله»، ومن ثَمّ وجب الانتظار حتى خروج المهديّ المنتظَر وعدم المشاركة السياسيَّة حتى ظهوره. وهؤلاء أصحاب نظريَّة «الانتظار».
2- المقاربة الثوريَّة: وهي التحوّل الذي أدخله الخميني على الفكر الشيعيّ والميراث الحوزويّ والدرس الفقهيّ والعقديّ، وتمثّل هذه المقاربة انقلابًا واضحًا على الخطّ العامّ للتشيّع، ذلك لأنها أحلّت نظريَّة التمهيد محلّ نظريَّة الانتظار.
3- مقاربة الدستوريّين: وهي التي طرحها النائيني وفقهاء الثورة الدستوريَّة بامتدادها حديثًا، متمثّلة في مفكّرين كبار أمثال شريعتي وبازركان وموسى الصدر وشريعة مداري وغيرهم. وما زالت هذه المقاربة هي الخطّ المعتمد لدى الإصلاحيّين الشيعة في إيران مثل كديفر وسروش، وفقهاء لبنان مثل شمس الدين وفضل الله والأمين، وبعض الحركيّين في العراق.
وتتمثل في الدعوة إلى المشاركة السياسيَّة الدينيَّة المدنيَّة، واحترام سيادة القانون وسلطة الشعب، حتى ظهور المهديّ، أي إنّ هذه المقاربة حالة وسط بين نظريَّة الانتظار ونظريَّة التمهيد.
والذي يَعنينا في هذه الورقة هو التركيز على المقاربة الثانية، التي تبنّاها الخميني، إذ مثّلت انقلابًا واضحًا في الفكر الشيعيّ على المستقرّات والأعراف المذهبيَّة الراسخة، ومأسست لحالة تثوير وفوضى في المنطقة كلّها، وما زال الإقليم يئنّ من تلك النظريَّة غير المسبوقة في الفكر الآيديولوجيّ عامّة والشيعيّ خاصّة.
الانقلاب على الميراث الشيعيّ:
الملمَح المهمّ هنا أنّ عقيدة المهديّ الشيعيَّة كانت مدعاة طَوال التاريخ الشيعيّ إلى ابتعاد الجماهير الشيعيَّة عن السياسة وتبنّي نظريَّة «الانتظار» التي تَعني عدم المشاركة السياسيَّة أو حتى المطالبة بحكم دينيّ، لأنّ إقامة الدولة وما يتبعها من إقامة حدود وفرائض وإعلان جهاد، من حقّ الإمام الغائب فقط، وليس لأحد أن يحلّ محلّه في شؤون السياسة والحكم، لأنّ إمام الزمان هو الذي سيملأ الأرض عدلًا بعد أن مُلئت ظلمًا وجورًا. أمّا البشر فمهما بلغوا من صفات الكمال فلا يمكن أن يملؤوا الأرض عدلًا بعد أن مُلئت جورًا.
وكان الخطّ الرئيسيّ للتشيّع سائرًا على هذا الدرب، بل إنّ أئمَّة الشيعة الكبار ألزموا أتباعهم السمع والطاعة لكلّ حاكم، عادلًا كان أو ظالمًا، سُنّيًّا كان أو شيعيًّا، وحرّموا الخروج على الدولة، فالإمام موسى الكاظم (128-183ه) -الإمام الثامن عند الشيعة الإماميَّة- يأمر الشيعة بطاعة السلاطين على كلّ حال «فإن كانوا عُدولًا فليسألوا الله إبقاءهم، وإن كانوا جائرين فليسألوا الله صلاحهم». وهو نفسه ظل منعزلًا عن السياسة وشؤون الحكم.
وقد سنحت الفرصة لفقهاء الإماميَّة في مراحل كثيرة أن ينقضّوا على السلطة، لا سيّما بعد أن تسنّم بعضهم مراكز متقدّمة في بنية السلطة العباسيَّة والأمويَّة، مثل الشريف المرتضى في دولة آل بويه، ومع ذلك فلم يفعل ذلك، «لأنه لا يعرف ما هو شرع السماء،أو دولة العدل، مع غياب شبه كامل لتوصيف تلك الدولة الفاضلة التي تجدها مكتوبة في أدبيّات الفارابي وأفلاطون، فكلّ من تصدّى للتلبّس بهذه المهمّة كانت نتيجته لعنة الإمام/ المهديّ الغائب».
وكانت هناك أكثر من فرصة على مَرّ التاريخ لفقهاء الإماميَّة عُرضت عليهم من الثوّار أو من الحكّام أنفسهم، فكان موقفهم واحدًا لم يتبدّل،وهو أنّ «كل دولة دون وجود المعصوم هي دولة لا شرعيَّة وغصبيَّة».
فنظريَّة الانتظار كانت هي الميراث الحوزويّ الشيعيّ طَوال التاريخ كلّه حتى قدوم الخميني في إيران، فانقلب على الموروث الشيعيّ، وحوّل رؤية الجمهور الشيعيّ للعقيدة المهدويَّة من الانتظار إلى تمهيد الأرض لقدومه، مما يعني إشعال الحروب في المنطقة، والتوسّع في السيطرة على مقدّرات دول الجوار، ودعم الطائفة الشيعيَّة في بقاعٍ شتى في الشرق والغرب على حساب الأكثريَّة السُّنّيَّة وعلى حساب الدولة الوطنيَّة.
فلم تكُن الثورة الإيرانيَّة بمثابة انقلاب على الدولة الوطنيَّة والتعدّديَّة السياسيَّة فقط، بل أيضًا على مستقرّات المذهب الشيعيّ، وخطوطه الرئيسيَّة، وقواعده العامّة الكلّيَّة، «فقلبت موازين القوى داخل المنظومة الفكريَّة الشيعيَّة في شقّها السياسيّ والاجتماعيّ، فما بعد الخميني ليس كما قبله».
فبعد أن كان المهديّ عقيدة شيعيَّة مدعاة للسكون والخضوع والابتعاد عن العمل السياسيّ في الأعراف الشيعيَّة، صارت عقيدة المهديّ مدعاة للثورة والخروج والاقتتال والتدخّل في الدول الأخرى، لتهيئة الأرض لقدومه.
وبعد أن كان الفقه الكلاسيكيّ الشيعيّ يؤمن بعقيدة الانتظار وأنّ المهديّ هو الذي سيُقيم دولة العدل، وأنّ التمهيد لظهوره يكون فقط بالانتظار، وأنه كلّما مُلئت الأرض ظلمًا كان ذلك مدعاة لخروجه كي يملأها عدلًا، صار الفقه الثوريّ الخمينيّ يؤمن بفكرة التثوير تمهيدًا لظهوره.
وأنه لا بُدّ من نُصرة المستضعفين في كلّ مكان، تمهيدًا لظهوره. فالانتظار في القراءة الخمينيَّة هو العمل والتمهيد والإعداد للظهور، وذلك بإقامة الدولة في عصر الغيبة وهو التفسير الذي لم يكن موجودًا طيلة أربعة عشر قرنًا من الزمان، منذ نشأة التشيّع في العصر الأوَّل وحتى قراءة الخميني لمفهوم الانتظار.
فقد أمدّ الخميني التشيعَ السياسيّ بديناميَّة وحركيَّة، بعقيدة المهديّ المنتظَر عبر التفسير السياسيّ للدين وعَقْدَنة المذهب وهو ما يُعَدّ خللًا منهجيًّا وعلميًّا، أو ما يُسمّيه البعض بنظريَّة «الوثبة الفجائيَّة»، ويُقصَد بنظريَّة الوثبة الفجائيَّة الانتقال بين عناصر العلم وحقوله، بل ربما عناصر الموضوع ذاته دون وسائط أو روابط توثّق الصلات بين حلقاته، فيحدث الانتقال من نتيجة إلى نتيجة، ومن مقدمة إلى نتيجة، دون أيّ براهين قطعيَّة وأدلّة يقينيَّة، لا سيّما إذا كان البحث في المجال العقائديّ الذي لا يحتمل الظنّ.
هذه النظريَّة تتجلّى في البحث المهدويّ عند الشيعة، فنجد رفضًا لاستخدام العقل أمام افتراضات موروثة أُقحمت في البحث المهدويّ.
فيُقال بأنّ الأرض لا يجوز أن تخلو من إمام، أي من حكومة ودولة، وأن الإمام -الرئيس أو الخليفة أو القائد- يجب أن يكون معصومًا ومعيَّنًا من قِبَل الله، ثمّ الانتقال إلى نظريَّة الغيبة والانتظار، التي تؤيد فكرة غيبة الإمام المعصوم.
والسؤال هو: لماذا يغيب ويختفي ولا يظهر ليقود المسلمين ويؤسّس الحكومة التي لا بدّ منها، ما دام أنّ الأرض لا يجوز أن تخلو من إمام؟ فالغيبة إذًا تناقض صارخ -بعبارة المفكّر الشيعيّ أحمد الكاتب- مع وجود الإمام الذي يفترض أن يتصدّى لقيادة المسلمين، ولا يجوز له أن يغيب عن الساحة، كالوجوب العقلانيّ لوجود ضبّاط المرور في التقاطعات والمحاور والميادين، وأنّ غيابهم يُعَدّ تناقضًا تامًّا مع قاعدة «لا بُدّ من تعيين الدولة لضبّاط المرور»، ولا يفيد وجودهم خلف ستار دون قيامهم بمهامّهم.
فرفضوا استخدام العقل هنا مع أنهم استخدموه في مقدّمات من قبيل: «ضرورة وجود الإمام»، و«ضرورة كونه معصومًا»، و«ضرورة كونه معيَّنًا من قِبَل الله» فهذه الفجوات ومناطق الفراغ العلميَّة والمنهجيَّة هي ما تُسمّى بنظريَّة الوثبة الفجائيَّة، وهي من أمارات الخلل المنهجيّ الذي يحدث من خلاله الالتفاف على الحقيقة العلميَّة لإيهام المتلقي بما ليس كائنًا في نفس الأمر.
أيضًا هُم يقرّرون وجوب وجود وظهور الإمام من أجل إقامة العدل كي تمتلئ الأرض عدلًا كما مُلئت جورًا، ومن أجل تطبيق الشريعة الإسلاميَّة وقيادة المسلمين، والإفتاء لهم وحلّ مشكلاتهم التشريعيَّة ويقفزون على الحقيقة التاريخيَّة أنّ الأئمَّة حتى في حياتهم لم يشاركوا في الحكم والسياسة، وأنّ إمامتهم كانت إمامة دعوة وإرشاد.
فكيف يُجمَع بين الأمرين؟ وهو ما جعل المدرسة النجفيَّة تتمسّك بفلسفة «الانتظار» حتى اليوم، وعندما حاجج الخميني آية الله محسن الحكيم سنة 1965م وطلب منه اتخاذ موقف ضدّ الشاه والسفر إلى إيران للاطلاع على الأوضاع بنفسه، قال له الحكيم: «وما الذي يمكننا عمله؟ وما تأثير ذلك؟».
فقال الخميني: «له أثر قطعًا، فنحن بهذه الانتفاضة أوقفنا المخطّطات الخطيرة للحكومة، كيف لا أثر له؟! إذا اتّحد العلماء فسيكون ذلك مؤثرًا»، فقال الحكيم: «إن كان فيه احتمال عقلانيّ فلا بأس بالتحرك بطريقة عقلانيّة». ومما قاله الخميني للحكيم: «ألم تقدّم ثورة الحسين بن علي -عليه السلام- خدمة مؤثرة للتاريخ؟»، فقال الحكيم: «وماذا تقولون عن الإمام الحسن، إنه لم ينهض؟»، فقال الخميني: «الحسن لم يجِد الأنصار»، فقال الحكيم: «وأنا لا أرى عندي من يطيعني».
واستمرّ هذا النهج من حوزة النجف حتى اليوم، الذي لا يرى قراءة الخميني للمنظومة الشيعيَّة بأكملها، ولا يرى أهليَّة الفقهاء للحكم والبروز للشأن السياسيّ، فضلًا عن التصادم بين رجال الدين والسلطة، ومن ثَمّ بقي المهديّ هو المخوَّل فقط بشؤون الحكم والحدود وإدارة الدولة، ومن ثَمّ بقيت عقيدة الانتظار ثابتة لا تتبدّل، بخلاف الخميني الذي يرى وجوب تصدّر الفقيه في الشأن العامّ والحكم، وأنّ عليه واجبات تمهيد الأرض لظهور المهديّ، وأنه نائب عن المهديّ طيلة فترة غيابه.
إحلال نظريَّة «التمهيد» محلّ نظريَّة «الانتظار»:
كان للانقلاب على الميراث الفقهيّ والعقديّ في الدرس الحوزويّ أثر كبير على مسار التشيّع برمّته، إذ حلّت -بذكاء تامّ- نظريَّة «التمهيد» محلّ نظريَّة «الانتظار» في الحوزة الدينيَّة بمدينة قم، ومن ثَمّ فتفريخ العلماء سيكون وفقًا لتلك النظريَّة، وقد حدث ذلك بموازاة مأسسة نظريَّة التمهيد/ القراءة الخمينيَّة في مؤسسات الدولة التعليميَّة والثقافيَّة والتربويَّة.
هذا التحوّل، بل الانقلاب، في الفكر العقديّ الشيعيّ الموروث والمستقرّ لما يقرب من ألف سنة يبرّره الخميني بقوله: «قد مرّ على الغيبة لإمامنا المهديّ أكثر من ألف عام، وقد تمرّ ألوف السنين قبل أن تقتضي المصلحة قدوم الإمام المنتظَر. في طول هذه المدة، هل تبقى أحكام الإسلام معطلة، يعمل الناس خلالها ما يشاؤون؟ ألا يلزم من ذلك الهرج والمرج؟ هل ينبغي أن يخسر الإسلام من بعد الغيبة الصغرى كل شيء؟ الذهاب إلى هذا الرأي أسوأ في نظري من الاعتقاد بأنّ الإسلام منسوخ».
وهذا النصّ خطير جدًّا في التبرير العقلانيّ للانقلاب على الموروث العقديّ والدرس الدينيّ المستقرّ، وبإقرار من الخميني نفسه للأسباب التي ذكرها، وهي في مجملها عقلانيَّة وليست نصوصيَّة، مما يتيح له القفز الفلسفيّ على مستقرّات المذهب، وعلى أقوال الفقهاء القدامى الذين هم بمثابة أعمدة المذهب.
ونلاحظ كذلك أنه أدمج الإسلام بالمذهب واختزلهما، «هل ينبغي أن يخسر الإسلام من بعد الغيبة الصغرى كلّ شيء؟»، وبرّر بهذه العبارةَ التحوّلُ الخطير الذي حدث، مع أن فقهاء الاثنا عشريَّة القدامى عملوا على صناعة مخرجات لتلك الإشكاليَّة التي استخدمها الخميني، أو على الأصحّ لم تكن هي بمثابة الإشكاليَّة عندهم لأنهم تعاملوا مع الواقع.
فأجازوا الخضوع والتعامل مع السلاطين والانطواء تحت الدولة القائمة وعدم مواجهتها بأيّ نوع من أنواع المواجهة، وعَدّوا هذا الموقف مبدئيًّا لا تكتيكيًّا لقوّة القول بالغيبة ووجوب الانتظار، بخلاف الخميني ومدرسته الذين قرؤوا هذا الموقف بأنه تكتيكيّ وليس استراتيجيًّا، تبريرًا وتمريرًا للقول بولاية الفقيه.
فالشريف المرتضى، وهو من أعلام القرن الخامس الهجريّ وأحد أكبر فقهاء الشيعة الإماميَّة، يقول: «ليس علينا إقامة الأمراء، إذا كان الإمام مغلوبًا، كما لا يجب علينا إقامة الإمام في الأصل، ليست إقامة الإمام واختياره من فروضنا فيلزمنا إقامته، ولا نحن مخاطبون بإقامة الحدود فيلزمنا الذمّ بتضييعها».
فالتكليف مُنتفٍ أصلًا لتنصيب الإمام بعبارة المرتضى، لأنّ تلك المُهِمَّة هي من مهامّ الأئمَّة المعصومين الذين حُدّدوا سلفًا -في الرؤية الاثنا عشريَّة- فليس لبشر أن يتدخّل في تلك العمليَّة الإلهيَّة المحضة، فالاختيار إلهيّ والتنصيبُ إلهيّ كذلك.
وفي حالة غياب المعصوم ليس عليهم سوى الانتظار لأنه المُخَلِّص. وهذا الخطّ كان هو الخطّ الرئيسيّ للتشيع الإماميّ قديمًا وحديثًا حتى هذا التحوّل الطارئ الذي حصل على يد الخميني.
إذًا، كان بإمكان الخميني أن يُدمج عموم الشيعة في الدول السنّيَّة والوطنيَّة الحديثة، سيرًا على منهج الشريف المرتضى وعموم فقهاء الشيعة، بل وعموم الأئمَّة المعصومين الذين اندرجوا في أجهزة الدولة الأمويَّة والعباسيَّة ولم يؤسسوا لثنائيَّة «نحن والدولة»، لكنه فضّل الانقلاب على الإرث الشيعيّ تمهيدًا للقول بولاية الفقيه، فلولا قوله بفساد عقيدة الانتظار ما وُجدت ولاية الفقيه.
المهديّ في التجاذبات السياسيَّة:
لم تُستغلّ فكرة المهديّ فقط في السياسة الخارجيَّة للدولة الإيرانيَّة، ولا بين رجال الدين والفقه في الدرس الحوزويّ فقط، بل كانت عاملًا من عوامل التجاذب السياسيّ بين قادة العمل السياسيّ في الداخل الإيرانيّ أيضًا، لكسب أصوات الجماهير وتأييدهم، ولترجيح فريق على آخر في العمليَّة السياسيَّة، ومن ثَمّ نزلت مسألة المهديّ من كونها عقيدة إلى كونها أداة ضغط وتجاذب واستغلال سياسيّ بين الفرقاء السياسيين من نفس المنهج والمذهب.
ففي الانتخابات الإيرانيَّة الأخيرة كان المهديّ أداة توظيف سياسيّ ومحلّ تجاذب في الانتخابات الرئاسيَّة، فنشرت عدّة صحف محسوبة على التيّار المحافظ أن انتخاب حسن روحاني للرئاسة يؤخّر ظهور المهديّ.
وفي عهد أحمدي نجاد حاول التلاعب بفكرة المهديّ والضغط على معارضيه من جماعات الضغط والمجتمع الحوزويّ من خلالها، مما أزعج رجال الدين أنفسهم.
فقد أقام أحمدي نجاد أول مؤتمر دوليّ بشأن «العقيدة المهدويَّة»، وجاء عقد المؤتمر بعد خطاب أحمدي نجاد في الأمم المتحدة الذي طرح فيه فكرة المهديّ.
وفي تصريحات له عقب المؤتمر قال: «ليس لديّ شكّ في أنّ شعب الجمهوريَّة الإسلاميَّة يستعدّ لعودة الإمام الغائب، وبإرادة الله فإننا سنشهد ظهوره قريبًا».
ويقول في أحد خطاباته: «ومسؤوليتنا أن نقيم في إيران مجتمعًا نموذجيًّا يكون مقدّمة لذلك الحدث العظيم/ ظهور الإمام».
وبحسب الصمادي فإنّ قضيَّة المهدويَّة لا تنفصل عن مجمل التنافس والتجاذب السياسيّ في إيران، وتتجاوز في حقيقتها الجوانب العقائديَّة لتصل إلى صراع النفوذ والقوة في إيران.
واتّهم المعارضون لأحمدي نجاد إيّاه بالترويج لفكرة المهديّ لتحقيق مآرب سياسيَّة، إذ أنتج فيلمًا عن المهديّ في عهده [يُتردّد بأنّ التيّار النجاديّ يقف وراءه، ويخرج بنتيجة مفادها أنّ خامنئي ونجاد من جنود المهديّ، وهما اللذان سيسلّمان له الراية.
ويُسقِط الفيلم روايات شيعيَّة على شخصيَّة خامنئي ويرى أنه هو السيد الخراساني صاحب الجيش القويّ الذي سيسلّم الراية إلى المنجى الموعود، وأنّ أحمدي نجاد هو شعيب بن صالح الذي يقود حربًا ضد الفساد وينتصر على جيش السفيانيّ ويمهّد الأرض لظهور إمام الزمان.
فاعترض آية الله مكارم الشيرازي، وغيره من الآيات، على الفيلم وقال إنه من شأنه أن «يوجّه لطمة إلى معتقدات الناس وإيمانهم بالمهدويّة، وهو كذب محض».
وفي تسجيل منسوب إلى أحمدي نجاد وهو يتحدث إلى المرجع الدينيّ آية الله جوادي آملي قال إنه أحسّ بحضور إمام الزمان وبهالة من النور تحيط به عندما كان يتحدث في الأمم المتحدة، وقد قوبل كلامه بكثير من النقد، فقد اتهمه كثير من رجال الدين باستغلال عقائد الناس الدينيَّة لأهداف سياسيَّة، ودافع نجاد في المقابل عن توظيف هذه الفكرة لأغراض سياسيَّة.
التعليقات
اترك تعليقاً