أفصح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في مكالمتين هاتفيتين مع نظيره المكسيكي، ورئيس الوزراء الأسترالي، عن تفضيله اللاجئين السوريين المسيحيين، وسعيه الحثيث للوفاء بوعده بناء الجدار على الحدود مع المكسيك.
لكن الغريب في الأمر أن المحادثتان الهاتفيتان للرئيس الأمريكي دونالد ترامب، مع نظيره المكسيكي إنريكي بينيا نيتو، ورئيس الوزراء الأسترالي مالكولم تورنبول، لم تكشف عن أمور مدهشة أو مثيرة للغرابة، بقدر ما أكدت اتهامات أُكيلت له في أوقات سابقة، بإذكائه ظاهرة “الإسلاموفوبيا”، وعجزه عن الوفاء بوعوده الانتخابية التي قطعها على نفسه، بحسب خبير بالشأن الامريكي.
المكالمتان اللتان أجراهما ترامب في يناير الماضي، بعد قرابة أسبوع من صعوده سدة الرئاسة الأمريكية، واستطاعت صحيفة ” واشنطن بوست ” مؤخرا الحصول على نسخة من نصيّهما المسرّبين من البيت الأبيض ونشرهما الخميس الماضي، أثارتا سلسلة من ردود الأفعال في واشنطن، بعد أن اعتبر البعض أن الرئيس أفصح عن كرهه لطالبي اللجوء”لكونهم أشخاص سيئين ” ، بحسب تعبيره في إحدى المكالمتين.
وما بين غضب الرئيس وتهديده لموظفي إدارته بالمحاسبة الشديدة، وتحذير وزير العدل جيف سيشنز، للمؤسسات الإعلامية من عواقب التعامل مع مصادر تسريب الشؤون الداخلية للحكومة، انتهاءً بردود الأفعال على مضمون التسريبات نفسها، برزت بوضوح الأزمة التي يمر بها ترامب وأكثر ما يشغل باله، ألا وهي تحقيق وعوده الانتخابية التي لم يتمكن من الوفاء بالكثير منها.
الاتصالان الهاتفيان اللذان أجراهما ترامب في 27 و28 يناير الماضي، تمحورا حول اثنين من أهم محاور الحملة الانتخابية للرئيس الأمريكي، هما الاقتصاد والأمن.
وبالنسبة لترامب فإن الهجرة هي عامل يتقاسمه كلا المحورين (الأمني والاقتصادي)، كونها السبيل لدخول ” الإرهابيين ” للبلاد، وكونها تعزز المنافسة التي يفرضها القادمون الجدد على الشعب الأمريكي بأسواق العمل التي تفضّل أيادٍ عاملة رخيصة وأجنبية على تلك المحلية الأعلى أجراً.
رؤية ترامب هذه انعكست بشكل جلّي في كلا الاتصالين، إلاّ أنها أبرزت جزئية جديدة، وهي أنه رغم معارضة الرئيس الأمريكي لقبول اللاجئين بشكل عام، إلاّ أنه لا يتواني عن الإفصاح بتفضيله للاجئين من فئة معينة، وهو أمر يبدو أن رئيس الوزراء الأسترالي تورنبول يتفق فيها معه.
وبحسب نص المكالمة التي نشرتها الصحيفة الأمريكية، فإن تورنبول أخبر ترامب أنه ” من المثير جدا معرفة كيفية منحك الأولوية للأقليات في أمرك التنفيذي، وهذا بالضبط ما فعلناه مع البرنامج (الأسترالي للهجرة) والذي سنجلب من خلاله 12 ألف لاجئ سوري، 90 بالمائة منهم سيكونون مسيحيين “.
ويستطرد تورنبول ” من حقائق الحياة المؤسفة، أنه بعد أن يستقر الوضع في الشرق الأوسط، فإن الأقليات المسيحية على الأغلب لن تجد وطنا دائما لها (..) ومن هذا المنطلق، وكمحطة أخيرة للاجئين، قمنا نحن بمنحهم الأولوية “.
وهو ما عقّب عليه ترامب مؤيدا، قائلا: ” هل تعلم يا مالكولم، بأنه قبل 4 سنوات كنت مع رجل يعمل في هذا المجال (الهجرة) وهو من أخبرني بأنه إذا كنت مسيحيا من سوريا، فليس لديك أي فرصة بالقدوم إلى الولايات المتحدة (..) أولئك هم من يتم اضطهادهم، وعندما أقول اضطهاد أعني أن رؤوسهم (المسيحيين) كانت تقطع، بينما لو كنت مسلما – ليس لدينا (الأمريكيين) شيء ضد المسلمين – فأنت لست مضطهدًا، على الأقل ليس لدرجة قطع الرأس، ولو كنت مسلما من سوريا، فإن هذا هو المكان الأول الذي يمكنك أن تأتي منه إلى الولايات المتحدة “.
وقبل مكالمته مع تورنبول بيوم واحد، أصدر ترامب النسخة الأولى من حظر السفر، والتي أوقفت تطبيقها لاحقا محكمة فيدرالية، حيث نصت إحدى فقرات الحظر على ” عقب معاودة، برنامج قبول اللاجئين في الولايات المتحدة (بعد ايقافه مدة 120 يوما) يقوم وزير الخارجية بالتشاور مع وزير الأمن الوطني (الداخلية) باجراء تغييرات بحسب ما يسمح به القانون، بحيث تمنح الأولوية لمن يتقدم بطلبات اللجوء على أساس الاضطهاد الديني إلى من ينتمون للأقليات الدينية في البلد الأم للمتقدم، على أن يتقدم وزير الخارجية ووزير الأمن الوطني بمساعدة الرئيس في وضع هذه الأولوية بما هو مناسب وضروري “.
وبحسب ” واشنطن بوست ” ، فإن ادعاء ترامب بأن المسيحيين السوريين يواجهون تمييزًا ضدهم من قبل نظام الهجرة الأمريكي ” كاذب “.
وطبقا لمعطيات وزارة الخارجية الأمريكية، فإن أعداد اللاجئين المسيحيين السوريين المقبولين في الولايات المتحدة خلال عام 2016، بلغ 125، من أصل 15 ألف و 479 لاجئا سوريا، إلا أن الصحيفة بررت الأمر بأن “المسيحيين السوريين يفضلون البقاء مع أقاربهم في لبنان على الانتقال إلى الولايات المتحدة “.
المحلل السياسي، خبير الشرق الأوسط رياض محمد الحمداني، اعتبر أن الرئيس الأمريكي إنما ” يعكس وجهة نظره الإسلاموفوبية حينما يصر على احتضان المهاجرين المسيحيين بدلًا من السوريين بشكل عام ” خلال مكالمته مع رئيس الوزراء الاسترالي.
ويقول المحلل الأمريكي للأناضول، ” خلال حملته (الانتخابية)، أعرب (ترامب) وفي أكثر من مناسبة عن تخوفه من نوايا المسلمين الذين يأتون إلى الولايات المتحدة، بل إنه قال في مناسبة واحدة على الأقل أن الإسلام يكرهنا، وبالتالي فطبقًا لهذا المعتقد هو يفكر بأن دخول المسلمين سيزيد عدد المشاكل في بلاده “.
ويلفت المحلل السياسي إلى أن ترامب “كعضو للحزب الجمهوري، فهو أسوة بالعديد من المحافظين، يرى أن أمريكا بلد مسيحي، ويجب أن تلعب دورًا في الحفاظ على المسيحيين بالعالم”.
إلا أن المحلل ذاته المختص بشؤون الإرهاب، يعتقد أن ترامب رغم كل شيء ” يظل ضد فكرة المهاجرين بشكل عام، مسيحيين كانوا أم مسلمين، شرعيين أم غير ذلك، لأنه يعتقد أن هؤلاء يسلبون حق المنافسة من نظرائهم الأمريكيين في سوق العمل “.
ووفقا لنص المكالمة بين الزعيمين، فقد أعرب ترامب بعد ذلك عن رفضه القاطع استلام 1250 مهاجرًا من الذين ضبطتهم السلطات الاسترالية بسبب تسللهم غير الشرعي داخل البلاد باستخدام القوارب، ولم تشأ الحكومة الأسترالية توطينهم على أراضيها حتى لا تشجع آخرين على فعل الأمر نفسه، إلا أن الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما وعد الأستراليين بأن تحتضنهم الولايات المتحدة بعد فحصهم وتدقيق خلفياتهم أمنيًا.
ورغم محاولات رئيس الوزراء الأسترالي (خلال المكالمة) أن يشرح لنظيره الأمريكي عمق المسألة، إلا أن الأخير ظل مصرًا على رفضه، قائلًا ” هذا الأمر (قبول المهاجرين من أستراليا) سيجعلنا نبدو كالحمقى، لقد دعوت للتو إلى حظر (السفر) حيث لا أدع أي أحد (يدخل) وتريدني ان أسمح لألفي شخص؟! “.
أما في مكالمته مع نظيره المكسيكي، فقد أصر ترامب على أن تدفع المكسيك تكاليف بناء الجدار الفاصل بين الولايات المتحدة وجارتها الجنوبية، وقال بهذا الخصوص ” في الحقيقة فإن كلينا أمامه التزام سياسي لأن عليّ أن أجعل المكسيك تدفع لبناء الجدار، عليّ أن أفعل ذلك، لقد تحدثت عنه منذ سنتين ” ، وهو ما يبرز تخوّف ترامب من أن يخالف وعوده التي قطعها على نفسه بهذا الشأن.
وتابع ترامب، بحسب النص المنشور ” السبب الذي يجعلني أقول يجب على المكسيك أن تدفع من أجل الجدار، هو أن المكسيك كوّنت ثروة بسبب غباء ممثلي التجارة الأمريكية، فهم (المكسيكيون) يتفوقون علينا في التجارة، ويتفوقون علينا في الحدود، وهم يقتلوننا بمخدراتهم “.
ويحاول ترامب بناء الجدار الفاصل بين بلاده والمكسيك، أملًا في إيقاف الهجرة غير المشروعة من الأخيرة إلى الولايات المتحدة التي باتت ” مرتعا للمخدرات ” ، بحسب تعبير ترامب في المكالمة الهاتفية. وجاء فيها أيضا: “هناك تجار مخدرات في المكسيك يخربون بلادنا، إنهم يرسلون بالمخدرات إلى (ولايات) شيكاغو ولوس أنجلوس ونيويورك وحتى نيو هامبشاير .
وتابع ترامب “أصبحنا بلدًا مدمنًا على المخدرات، ومعظم المخدرات تأتي من المكسيك أو بكل تأكيد من الحدود الجنوبية”.
الرئيس المكسيكي رد على اتهام ترامب لبلاده بتفشي المخدرات والجريمة بالقول ” دعني أخبرك فيما يتعلق بمهربي المخدرات في المكسيك، أنهم يتلقون الدعم بشكل كبير متمثلًا في الأموال غير المشروعة والأسلحة من داخل الولايات المتحدة، الأمر الذي دفع المكسيك لمحاربة العصابات الإجرامية بمشاركة الجيش، كامل الجيش المكسيكي “.
وشدد “نيتو” على أن موقفه من تمويل الجدار “كان وسيظل ثابت جدًا: المكسيك لا تستطيع أن تدفع لبناء الجدار”.
الرئيس الأمريكي الذي بحث كذلك خلال مكالمته مع نيتو التي استمرت أكثر من ساعة، التفاوض على اتفاقية التجارة في أمريكا الشمالية “نافتا”، وهو أمر لم يجد معارضة كبيرة فيه من الرئيس المكسيكي الذي وافقه على ضرورة التوصل إلى اتفاق أكثر عدالة.
ويرى “ا لحمداني ” أن مكالمة ترامب مع الرئيس المكسيكي برغم ما فيها من نبرة تعاليٍ، إلا أنه حاول من جديد طرح سياسته المبنية في جزء كبير منها على تحسين الاقتصاد، وهذا ما تضمنه طرحه ابتداء من قضية التفاوض على ” نافتا ” أكثر عدالةً.
وإذا كان الرئيس المكسيكي أبدى مرونة في قضية نافتا، إلا أن قضية الجدار العازل بين البلدين، ستبقى العصا التي تعيق حركة الدولاب، وتقدم المفاوضات في جزء كبير منها حيث تعتمد شعبية كلا الرئيسين عليها، خاصة وأن كليهما يشهدان تراجعًا في شعبيتهما داخل بلديهما.
ويضيف الحمداني ” ترامب لا يريد أن يخسر شعبيته بالتنازل عن إجبار المكسيك ولو حتى ظاهريًا باعلان التزامها بتمويل بناء الجدار، لأن هذا هو ما وعد به ناخبيه، والرئيس المكسيكي لا يريد هو الآخر الظهور بمظهر الضعيف أمام شعبه بالتنازل أمام ترامب في قضية الجدار الذي يعده العديد من المكسيكيين إهانة لهم، خاصة بعدما وصفهم ترامب بشتى النعوت “.
التعليقات
اترك تعليقاً