جمعتني الأيام بزميلة تعاملنا مع بعضنا في حدود العمل كانت تمر أحيانا لمكتبي كنا نتبادل السلام وكانت تحكي لي جانبا من ظروفها العائلية والاجتماعية والمادية وتبرر ذلك بأنها ترتاح لي كنت أستمع لها وابدي لها تعاطفي في بعض الأحيان وذات يوم اتصلت بي وأثنت علي كثيرا لا أعرف والله ما الهدف من هذا الثناء ربما يكون من باب المجاملة وكنت أرد لها ذلك و اقول لها بعبارتنا العامية (ماعليك زود ) ثم بدأت تسرد لي ماتعانية من ظلم زميلة لها في نفس مكتبها وطلبت مني أن أساعدها في النقل لمكتب أخر وسوس لي الشيطان بأن تناؤها علي في بداية المكالمة لم يكن إلا تمهيدا لطلبها وأتذكر بأني استعذت بالله من الشيطان الرجيم وقلت بما أنها توسمت بي خيرا فلن أتخلى عنها حاولت جاهدة لنحقيق رغبتها ولا يخلو امر محاولاتي من بعض الإحراج واتصالاتها تزيد يوما بعد يوم وعندما وصل أمر نقلها إلى قاب قوسين بدأت عبارات الاستفسار عن نقلها تنحو منحا أخر وكانت تقول (ليه تأخرتوا في نقلي ) وغيرها من العبارات الفظة تضايقت كثيرا من هذا وفكرت أن أتراجع عن السعي لنقلها وأن أتحدث مع الجهة المختصة وأبلغهم بأنها ربما لاتنفع في المكان الذي ستذهب إليه ظنا مني أني اكتشفت شخصيتها على حقيقتها ولكني تراجعت وذكرت الله واختلقت لها الأعذار فربما أنه زاد الضغط عليها من قبل زميلتها وأنها لم تعد تتحمل فقالت ماقالته وتم نقلها وكانت تقدم الشكر والعرفان وتمر دائما لإلقاء السلام وبعد مضي فترة أبلغتني المسؤولة بأنها لاتؤدي عملها بإتقان نبهتها اكثر من مرة بأنها تسببت لي في إحراج وأن عليها أن تقوم بعملها وتترك عنها الإهمال ؛
لا أخفيكم. وجدت في نفسي عليها كثيرا ولم أعد اتعامل معها مثل السابق تأتي وتسلم وأرد السلام فقط تحاول أن تتكلم معي وأظهر لها انشغالي سألت كثيرا عن سبب تغير معاملتي معها وأقول لا شيء عليك الاهتمام بعملك مرت الأيام تلو الأيام وتقدمت بنقل لجهة أخرى تريدون الصراحة فرحت جدا بهذا الخبر فقد كنت غاضبة من إهمالها في عملها ذهبت وحاولت كثيرا الاتصال بي ولكني لا أرد على اتصالاتها لانشغالي أحيانا وأحيانا أخرى أقول ليس هناك داعي لاتصالها وقلت في نفسي عفا الله عني وعنها ومع مرور الأيام نسيتها.
وبعد سنوات أخبرتنا إحدى الزميلات بأن فلانة توفت والله ثم والله أن الخبر نزل علي كا الصاعقة ففلانة هذه هي التي كنت في يوم من الأيام أحمل في نفسي عليها بعض الشيء سألناها أأنت متأكدة بأنها فلانة قالت نعم تألمت كثيرا وتراءت المواقف أمام عيني حين كانت تدخل علي وتحاول أن تتأسف وكنت لا أعطيها الفرصة .
يالله ليتني أخبرتها بأنني سامحتها يالله ليتني لم اقسو عليها في ردة فعلي ووالله أنني كنت نسيت ملامحها خلال هذه السنوات وما إن سمعت خبر وفاتها إلا وصورتها أمام عيني بأدق تفاصيلها سبحان الله الدنيا ماتستاهل جلست على هذه الحال قرابة الثلاثة أسابيع أدعو لها بالمغفرة والرحمة وأدعو الله تعالى أن يعفو عني ثم أقول في نفسي أنا لم أخطىء ولم اتصرف تصرف يؤذيها أسهبت لها في الدعاء ورددت يااارب يااارب اعفو عني وعنها تخيلت أبناؤها وحالتهم بعدها وازددت ألما ودعوت الله أن يثبتهم وأن يرزقهم الصبر والسلوان وأن ينزلها فسبح الجنان .
وفي صباح يوم من الأيام جا ءتني رسالة واتس أب ولم أعرف الرقم فكتبت (عذرا من معي جهازي تغير وفقدت الأرقام ) المفأجأة الكبيرة أنها كتبت لي أنا فلانة الفلاني تسمرت في مكاني وأنا أعيد قراءة الاسم الواضح أنها لم تتوفى ربما كان اسم على اسم فرحت والله وقلت الحمد لله الله يحيينا واياها حياة طيبة وقرأت الاسم مرة أخرى وأنا أقول رب اغفر وللمؤمنين والمؤمنات ولم أرد على رسالتها حتى هذه اللحظة .
التعليقات
أستاذتي الغالية والكاتبة الرائعة .. كل الشكر والأمتنان على روعة بوحك وجمالية طرحك .. دائما تبهريني بكلماتك التي تفوح منها عطر الأبداع والتميز .. دمتِ ودامت لنا روعة مواضيعك
سبحان الله الذي جعل جميع المواقف في الحياة فيها دروس وعبر وابتلاءات والموفق من اتعظ واعتبر وصبر خاصة في التعامل مع الآخرين باختلاف طباعهم وتفكيرهم وثقافتهم وتربيتهم
أحسنت أديبتنا في تجسيد هذا المعنى من خلال سرد شيق لموقف واقعي مع البراعة في إطهار المشاعر والأحاسيس لنتفاعل معك ومع الموقف والحمدلله أن الفرصة الآن متاحة للتصافي والتسامح
بارك الله في خطواتك ونفع في كلماتك
اترك تعليقاً