أتناول معكم أحبتي اليوم شعورا سلبيا أضحى مهيمنا على حياتنا وهو الشفقة على الذات، ذلك الشعور أشبه بحالة من الإدمان، له تأثير كتأثير الهروين على المنظومة المجتمعية بأكملها، فهو يبقيك عالقا في شعور يشبه الخدر تجاه الحياة ويصبح معه العمل والإنجاز والإبداع أقرب المستحيل، ولن يكون لهذا المسلك دور في حياتك سوى حفر خندق أعمق لنظرتك المتشائمة نحو الحياة وإضافة طبقات لشرنقة الضحية التي تحبس نفسك بداخلها.
يظهر ذلك جليا في مجتمعاتنا خصوصا في مجالسنا نحن معشر النساء التي تضج بالشكوى والشفقة على الذات، يتنقلن فيها السيدات مثقلات بالأعباء، ولا تكاد تسأل إحداهن عن حالها حتى تبدأ بالتذمر من الزوج وأحيانا أهله إلى قضايا الأولاد ومشاكلهم التي لا تنتهي ، إلى الشكاوى الصحية من الآلام في الظهر والقدمين ومشاكل الهضم والمعدة والقولون التي أضحت ملازمة لمعظم السيدات لكثرة ما نركز عليها ونحتفي بها.
وليس الرجال بمعزل عن ذلك فقد تجدان جزء لا يستهان به من حديثهم يدور حول ذلك المدير المتغطرس أو وحول غلاء الأسعار وكثرة الالتزامات مع ضيق ذات اليد وأوضاع سياسية متردية ووضع اقتصادي أكثر رداءة.
لكن ما يحب إدراكه أن الإشفاق على الذات هو بداية الطريق لتدمير أي علاقة مهما كانت متانتها، بدوري أعتقد أن جلب الشفقة على الذات إلى الصورة يعتبر أسرع طريق لحل أواصر أي العلاقة، عندما نلقي اللوم على الآخرين ونعتبر أنفسنا ضحايا، فإننا نفقد التواصل الصحيح ونقوض الثقة والاحترام في العلاقات. قد يتجاهل الآخرون احتياجاتنا أو يشعرون بالإحباط تجاه سلوكنا المستمر في الشكوى والتذمر.
وليس هناك إنسان متزن مشاعريا وفكريا يحرص على علاقة مع شخص يعد نفسه ضحية ويتحدث كالمهووس بعذاباته، لا داع أن أذكرك أننا كمختصين نتقاضى الأموال نظير أن نستمع لتك الشكاوى ونسعى مع المتضرر في إيجاد حل لها، ورغم كل ما يحظى به المتخصصون من التدريب ليس من المستبعد أن يشعر أحدنا باستنزاف طاقته من قبل عملائه خاصة إذا كان لا يمتلك من الأدوات ما يكفيه للحفاظ على اتزانه أو العودة إليه سريعا في حال اختلاله.
ولعل من المفارقات أنه كلما زادت حياتنا الحديثة سهولة كلما زاد الإحساس بأننا ضحايا، فكلما تفتح حديثا تجد الناس تتهافت للشكوى وكأن الجميع يسعى ليثبت لنفسه أنه ضحية في أحد جوانب حياته، وبعد ملاحظات كثيرة لمواقف الشكوى يمكننا القول إنك شكواك قد تجد بعض التعاطف لكن المؤكد أن من توجهها إليه لن يتطلع للقائك مجددا، إلا إذا كان هو أيضا يعد نفسه ضحية فينصت إليك بنفاذ صبر منتظرا دوره لرواية قصته الأكثر سوداوية.
إذا كنت من من يتبنون هذا النمط من المشاعر والتفكير سأدعوك بداية لجلب الوعي إلى ساحات نفسك، لتميز الأفكار التي تغذي الشفقة على الذات وتستبدلها بمعتقدات متوازنة وتلتقط سريعا شعور الإشفاق على الذات عندما يتسلل إليك وتزيحه جانبا ، فأنت أكثر من مشاعر تنتابك ، طور في ذاتك مهارات الاستجابة الصحيحة وكن واثقا من قدرتك على التأثير على أحداث حياتك فقط كل ما عليك هو التوجه إلى العمل مع تغير نظرتك إليه فإذا كنت مضطرا للعطاء في كل الأحوال فلماذا لا نستبدل مفهوم الإجبار إلى مفهوم أسمى ؟! لماذا لا ننظر للعطاء من باب القوة والتمكين وان من يعطى هو شخص ممتلئ يفيض خيرا على المحيطين؟!!
التعليقات
اترك تعليقاً