في أحد عصريات رمضان كنت قد صليت العصر بجامع الراجحي بالرياض وبعد الصلاة إذ بطفلين يقول أحدهما للآخر أحضر لي مصحفاً معك ، أخذت بي تلك الكلمات إلى بحر واسع عن أثر القرآن في تربية النشء، ذلك الطفل الذي هو أظنه في الصفوف الأول من المرحلة الابتدائية يطلب مصحفاً يتعلم منه الأحكام ويقرأ منه قصص الأنبياء ويأتمر بأوامره ويزدجر بنواهيه ، ذلك الطفل قد لايعي مايقرأ ولكن عندما يكبر سوف يعي كل ماقرأه .
عندما يرتبط ذلك الطفل بالقرآن سوف يكون له أنيسا في وحشته ودليلاً إلى الهدى وسائقاً له إلى فعل الخيرات وترك المنكرات ، سوف يربطه برب السموات وتكون تربيته تربية قرآنية وما أجملها من تربية ، ذلك الطفل عندما طلب المصحف لم يكن إلا بتربية من أبوين يعظمون القرآن وجعلوه في حياتهم وأخلاقهم وانعكس على أبنائهم .
والآيات الواردة والأحاديث عن فضل القرآن وتلاوته كثيرة فهو من أعظم الذكر ، عندما تقرأ القرآن تنزل عليك السكينة وتشعر بالاطمئنان ، إن من رحمة الله بعباده أن أنزل عليهم ذلك الكتاب العظيم القرآن الكريم وارتبطت به البشرية لمافيه من المعاني والدلالات والآيات العظيمة .
فيبدأ تعليمه للطفل منذ الصغر بقراءة أم الكتاب الفاتحة التي هي ركن من أركان الصلاة ثم يتنقل بين السور ، وإنك لتعجب ممن بلغ الحلم وهو يخطئ في قراءة الفاتحة وهو من العرب فيكسر مافتح ويضم ماسكن وعندما تعود إلى زمنه الماضي تجده لم يكن يعطي القرآن حقه ، بل إن بعض الناس أصبح يتقن لغات الأعاجم على لغة العرب .
إن اللغة العربية هي من مقومات البقاء ومن أسمى اللغات ، فناسب أن ينزل القرآن بها ، والنبي صلى الله عليه وسلم هو الذي أنزَل عليه القرآن بلسان عربيّ، والله تعالى يقول: ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ ﴾ ، عندما تتأمل النشء الذين تربوا على القرآن وتعالميه تجده انعكس على أخلاقهم وتعاملاتهم بل هم أقل الناس شراً وجرماً فلديهم دوافع إيمانية قرآنية تقودهم إلى كل فضيلة وتحجمهم عن كل رذيلة ، إن هؤلاء النشء تجدهم متميزين في تعليمهم وذكائهم وهذا ليس بمستغرب فهي بركة القرآن المعنوية إذ حفظوا الله في الصغر فحفظهم وأعانهم في الكبر.
عندما يتربى ذلك الطفل على التعلق بالقرآن ويرى القدوات أمامه والديه والبيئة المحيطة به وإمام المسجد والحلقات القرآنية المنتشرة فيعيش تلك البيئة الآمنة ثم تكبر تلك البذرة؛ فاعلم بإذن الله أنها سوف تكون شجرة مثمرة قوامها الذكر وثمارها الأعمال الصالحة وظلها الأخلاق الحسنة ، سوف يكون منبع خير ونهر جار متدفق من الفضائل وأنيس كل جليس ، يترفع عن سفاسف الأمور ويسمو بنفسه ويعلقها بمعالي الأعمال الصالحة والأخلاق السامقة.
قل أن تجد من ارتبط بكتاب الله سافكاً للدماء أو مرتكباً للرذائل و مندفعاً للمحرمات من هتك الأعراض وأكل الربا ومال اليتيم وشرب ماحرم الله والسبب في ذلك تلك الآيات القرآنية التي كانت له شمعة مضيئة في حياته فإذا هم بأمر سوء تذكر المواعظ والآيات الناهية فانتهى .
نسأل الله أن يحفظنا بالقرآن قائمين وأن يحفظنا بالقرآن راقدين وأن يحفظنا بالقرآن قاعدين وأن لايشمت بنا الأعداء ولا الحاسدين.
التعليقات
اترك تعليقاً