الله عز وجل لما خلق البشرية جعل لهم أسراراً ومفاتيح في الاتصال والتواصل، ولذلك حثت الشريعة الإسلامية على حسن الاتصال والتواصل بين الخلق بما يحقق عمارة الأرض واستثمارها لخير البشرية، وقد دلت الآيات القرآنية والأحاديث النبوية على ذلك، منها قول الله تعالى مخاطباً نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ ۖ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ۖ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ ۖ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ) ومن الأحاديث النبوية قول النبي صلى الله عليه وسلم: (والكلمة الطيبة صدقة)،
ومن المعلوم أن السيكلوجية البشرية لديها خصائص نفسية واجتماعية تعمل على تعزيزها وتعميقها، ومن يتمسك بها ويتحكم فيها ببراعة، فقد يحقق نجاحاً، ويكون ذكياً في كسب القلوب بمهاراته العاطفية، ومن سنن الله الكونية التي جبل الناس عليها أنه جعل البشر يعتمدون على بعضهم البعض ـ بعد توفيق الله تعالى ـ في الدعم والخدمة والمساعدة وتلبية احتياجاتهم، فقد خلق مجتمعًا يوجد فيه الأغنياء والفقراء، ويعتمد الجميع على بعضهم البعض، ولا يستطيع الأغنياء الحفاظ على ثرواتهم دون مساعدة الأيدي العاملة عبر مر التاريخ .
وبحمد الله تطورت القوى العاملة عبر الزمان والمكان، وانتقلت من حياة العبودية إلى عصر الأتمتة، حيث يعمل الأفراد بجد طوال اليوم للحفاظ على حياتهم في هذا العالم، لكن هذا حرمهم إبداعهم وابتكارهم وشغفهم.
لكن الوضع تغير في عصرنا الحديث، حيث تحول العمال من مجرد آلات إلى شركاء مع أصحاب العمل ضمن نظام يُعرف باسم الموارد البشرية. فأصبح العامل يشعر بالشراكة في عمله، وقد أسهم هذا الشعور في تفجير بركان من الإبداع والابتكار وزيادة الإنتاج فكل ما شعر العامل بأنه شريك في مكان عمله ازداد عنده شغف العمل الذي ينعكس إيجابا على سلوكه الإنتاجي، وبالتالي الإسهام في الاستدامة الاقتصادية للوطن، انطلاقا من هذا المفهوم والسلوك الرائع تجاه العامل جعلت كثير من الدول في القرن الواحد والعشرين القدرات البشرية محط اهتمامها، وذلك من خلال التعليم ونقل التجارب الناجحة وتمكينهم في مجالات تخصصهم ورفع قدراتهم المهارية.
قد يحصر البعض مفهوم الموارد البشرية في حضور وانصراف الموظفين ومعالجة الرواتب وكتابة العقود والإجراءات الحكومية الخاصة بهم، إلا أن مفهوم الموارد البشرية أعمق من ذلك بكثير، حيث إن ما ذُكِر لا يمثل سوى جزءاً يسيراً من مسؤولياتها الأساسية، فإنه لا يمثل سوى 20% من مهامها الرئيسة، وكان يُشار إليها في الماضي بالشؤون الإدارية، ومع تقدم العلم والممارسة توصلت العلوم إلى أن إدارة الموارد البشرية هي من تهتم بالبشر فهم أصول لكل منظمة كما يهتم التجار بأصولهم من معدات ومباني، كل ما استطعت أن تنمي تلك الأصول البشرية كلما اتسع عمل المنظمة، وازدادت الإنتاجية، وأصبح للمنظمة علامة تجارية في التوظيف، وأصبح العاملون بها يفخرون بالانضمام لها لما يجدوا من بيئة جاذبة ومحفزة تجعل من العامل أكثر ولاء وانتماء لمنظمته.
إن الموارد البشرية هي من تخطط للقوى العاملة في المنظمة، وتقيس الكفاءة السوقية، وهي عنصر أساس في كل منظمة، فالمنظمات الناجحة تجد خلفها إدارة موارد بشرية عملت على استقطاب المواهب والكفاءات وتمكنها وتطورها من خلال منهجيات التعلم، وقد يدور في ذهن البعض أن التعليم هو التدريب، ولكن أثبتت الدراسات والتجارب أن الفائدة المرجوة من التدريب لا تتجاوز 10%، ومن خلال الملاحظات والاقتراحات والمراقبة 20%، ومن خلال الممارسة والتجارب والخبرات والاندماج وتقديم العروض والقيادة والعمل على المشاريع 70%.
من المعروف لدى الخبراء أن التوظيف وظيفة حيوية للموارد البشرية وعامل أساسي في نجاح المنظمات، فمتى ما تم تجويد المدخلات كانت المخرجات متميزة فالتقييم والاختيار والتخطيط للتعاقب الوظيفي وتحديد مصادر الاستقطاب هو من لب عمل إدارة الموارد البشرية ثم إنَّ صناعة البيئة الوظيفية الإيجابية يعزز من قدرات المنظمة، فإدارة الموراد البشرية تعد بمنزلة المحامي الذي يدافع عن حقوق الموظفين والعمال فهو مثل الأم مع أبنائها، وهي من تعمل على منح المكافآت والحوافز التي ينعكس أثرها على السلوك والشعور ومشاركة الموظفين، ومن أدوار الموارد البشرية تحليل بيانات العاملين وعمل القياسات والاستبانات التي يكون لها أثر بالغ في اتخاذ القرارات الإستراتيجية، ومن أهم أدوار إدارة الموار البشرية فهم إستراتيجية المنظمة وتحديد مصادر قوتها واحتياجها الوظيفي الذي ينعكس من خلاله على صياغة إستراتيجية للموارد البشرية وإنشاء خطة تنفيذية .
و في النهاية ويمكن أن نلخص هذا المقال في أنه لا يمكن لأي منظمة أن تنجح، ولا لمدير تنفيذي دون إدارة موارد بشرية تتمتع بفهم عميق وممارسات مميزة وموارد مالية مخصصة.
التعليقات
اترك تعليقاً