الليل أطل همساً بعد أن ضم عباءته الزائلة في مجرى الدفء الخجول حينئذ أغلَّت معها مهجتها المُرهقه وهي واهنة إلى حيث مخدعها وتكردست على ذاتها في مكانها فلا زال صدى تلك الكلمة الجافة تئن بتبرمٍ لا حدود له بين ثنايا مسامعها .

كانت تتمنى أذنيها أن لا تخفق أمامها أبجديات حروفها المتقدة فقد أصبحت لديها سراباً في نشوة ذلك الأمل الذي كان دوماً يأخذها بعيداً عنه وقريباً منه .. فقد قدِم ذلك الرفيع الداكن ليبدد عنها فرديتها ويقدم لها في كفيه الضوء الدافىء بشجن من إستدارة القمر .

وتهلل بهاءها حتى تسرب بشكل طبيعي إلى ذلك الصدر الحاني بإستحياء مع وشوشة الظل ففي بشاشة كل فلق تقطف من مرعاه الأخضر زهرتها الأخاذة بلونها النحاسي المونق ببرتقاليته والتي تختزن في جوفها تلك الحبوب النائمة بعشق هادىء نحو أعين الشمس وتغرس عليها بِشرها الذي يبدو براقاً على مُحياها كجوهرةٍ تتلألأ أصدافها على صفحة بحرٍ أزرق تشوبه خُضرة الحياة من حيث لايدري .

وعندما يأتي الأصيل تجد لنفسها فسحة رحبة لتعدو معه ومن خلاله وفي مداره وفي أيديهما براعم الشغف والتمني وماجت في غُبْسَةٍ دامعة مضارب قانية تفتقت أشواك غرسها وهي في فلاةٍ قاحلة فنبتت أغصانٍ وليدة من حدَّةٍ كاسرة أستطاعت بنزقٍ قديم أن تحبو على تلك الكرمه البريئة وتحصد من تؤدتها الوردية تقاسيم الرجاء الذي امتدت جذوره في جوفها بورد الجوى ولازالت تكتنز بين كمدها المخبوء ذلك التذكير الفواح .. هي كل ماتملك الآن من أشياء كثيرة كانت تستحوذها وأمور مَضَّاءة كانت قد ظفرت بها .

واقعية الإستئثار في غور الوجد هي ماكانت تصبو إليه ومن شدة رغبتها في ذلك غَرِمت كل شيء وكل شيء بالنسبة لها كان ذلك الأثيل القاتم .. خرجت من دائرة جسمها وهي تنظر إلى ذلك النور الأصفر القادم إليها من غير موعد لتفتح في حدقة عينيه قرحها الزُعاق الذي لن يندمل حثيثاً ولازالت في ذاكرتها تلك الأحرف بصداها الواجم والتي كثيراً ماكان يُتمتم بها وهي منصتة له .. لاتبحثي عني فآهاتي ثكلى وأشرعتي حزينة .

لاتبحثي عني فلا بحرٌ لدي أقدِّمُه لعينيك ولاسفينة ….. هل تبحثي عني وأنا في القرب منك عشب الأرض يعلكني وأمطار السكينة ….. هل تبحثي عني وأنا في البعد عنك دموع الشمس تأكلني بأوتارٍ هجينة …..!!