زحمة… والشوارع فاضية
هناك نوعية غريبة من البشر، تبدو حياتهم وكأنها "زحمة… والشوارع فاضية".
تتحدث معهم فلا تسمع إلا كلمة واحدة: "مشغولون".
مشغولون في اللاشيء، وفي كل شيء، وفي أمور لا يعرفون لها اسمًا ولا عنوانًا.
وإذا سألتهم: مشغولون في ماذا؟ يكررون الكلمة وكأنها تشرح ضبابًا لا يُرى.
تحاول أن تتفق معهم على نزهة بسيطة، فيردون بأنهم لا يعرفون جدولهم لهذا الأسبوع.
سوء إدارة، وغياب تخطيط…
وكأن حياتهم صندوق مفاجآت ينتظر من يفتحه.
والطريف أن الأشخاص الأكثر إنشغالًا فعليًا الناجحون، المنجزون، أصحاب الأعمال والمشاريع والمهام الحقيقية هم أوضح الناس جداول، وأحسنهم تنظيمًا، وأقلهم إدّعاءً للانشغال.
لا يسمعونك كلمة "مشغول" في كل مناسبة، ولا يختبئون خلف الضباب.
أما أصحاب “الزحمة الفارغة”، فعندما تعرض عليهم نزهة، يردون بأنهم يحتاجون موعدًا للأسبوع القادم للاتفاق على النزهة!
معهم أصبحت النزهة تحتاج إجتماعًا… كإجتماع القمة العربية في عاصمة القرار.
كل شيء لديهم مؤجل…
كل شيء مؤجل إلى "لاحق"… و"لاحق" عندهم لا يأتي.
تطلب منهم هدفًا؟ مشروعًا؟ تطويرًا؟ يقولون: مشغولون.
تضع إتفاقًا؟ لا يُنفَّذ.
تحدد موعدًا؟ يعتذرون قبلها بعشر دقائق.
تسألهم عن جدولهم؟ لا يعرفون…
فهم مشغولون بإنتظار المعجزات، بإنتظار مصباح علاء الدين ليغيَّر حياتهم.
هذه النوعية ليست شريرة… لكنها فارغة بطريقة تُرهق من يتعامل معها، وتسحب من حولها إلى الدوامة نفسها.
لذا… لا تحتاج إلى معاداتهم، بل إلى وضعهم في دائرة واضحة: معارف، زمالة… لا أكثر.
لا تشاركهم مشاريع، ولا تعرِّفهم على دوائرك القريبة، لأنهم سيظهرونك أمام الآخرين كما يظهرون هم:
غير منظمين، غير واضحين، مؤجّلين لكل شيء.
ومع ذلك…
وجودهم ليس سلبيًا بالكامل.
إنهم تذكير حي بقيمة الترتيب، والوضوح، والانضباط.
وتذكير بأن الذي يعرف ماذا يريد، ويمشي بخط ثابت…
يختلف تمامًا عمّن يعيش في ضجيج بلا حركة.
لذا…
أحط نفسك بمن يشبه تقدّمك، وأهدي قلبك لمن يشبه اتزانك، ودع أصحاب "الزحمة الفارغة" يبقون مجرد محطة تعلّم… لا أكثر.
فالحياة لا تحتاج زحامًا…
بل تحتاج وضوح طريق ومضيًّا للأمام.
والعلاقات طاقة… والإنسان يتأثر بمن حوله.
فأختروا من يشبه تقدمكم… لا من يشبه إزدحامهم وشوارعهم الفارغة.





