Slaati
رائد محمد ال شهاب

اليمامة بين قرنين

منذ 12 يوم01488

مشاركة

بينما كنت أقرا في مكتبة جامعة اليمامة من منتديات ودواوين وأشعار مرتبطة باليمامة. أتت لي المشرفة على المكتبة وقالت: هناك كتاب رائع يستحق القراءة، يدعى "رحلة بين قرنين – للشيخ. محمد بن إبراهيم الخضير". فاليمامة مفرد جميل، يعبر عن اسم عربي الأصل، وكثيراً ما يرتبط بطائر أسطوري في الأدب العربي. وفي التراث الإسلامي، يرتبط بمفهوم الرعاية والأمومة. يعكس الاسم القيم الثقافية للرعاية والحماية، ويتردد صداها في مواضيع وردت في مختلف الشعر والفولكلور العربي.

فالكاتب "رحمه الله" سطر أكثر من 150 صفحة كفاح مليئة بالتغلب على العثرات، والصبر، والمغامرات الجريئة، والشفافة في نقل الأحداث، وشغفة للعلم. سوف أقتبس جزء من سيرته في مدينة الظهران بالمملكة العربية السعودية.

يقول: عندما وصلت إلى الظهران وجدت عدداً من رجال جماعتنا وأهل بلدتنا هناك، منهم علي العبيد الوهيبي، وعبدالله الشايع، وعبدالعزيز الفاضل، وكانوا يعملون في ورش إصلاح السيارات، فسكنت معهم وشعرت أن وضعهم المعيشي جيد بدلالة توافر الطعام دون انقطاع، مع أنه أرز بلا لحم، وما أطيب مذاقه بعد عمل منهك مجهد، وتعودت أن أطبخ غدائي صباحاً وآخذه في قدره معي للعمل، لأتناوله في استراحة الظهيرة، وخلال هذه المرحلة تعلمت كيفية طبخ بعض أكلاتنا الشعبية مثل الأرز والمرقوق.

كان العمال خليطاً بشرياً من جميع مناطق المملكة، يسكنون في قسم خاص بالعمال السعوديين يشبه العشش، فيه غرف من صفيح، وحماماته ومطابخه مشتركة، بعكس المجمعات السكنية الفخمة المخصصة للأمريكيين فقط، التي تحتوي جميع وسائل الراحة والخدمات والسلامة، ولها بوابات لا نستطيع الدخول منها وتحاط بحراسات مشددة.

عرفت بوجود مدرسة ليلية للعمال، أنشأتها أرامكو لتعليم الموظفين، وإعداد ما يسد حاجتها الكبيرة من الأيدي العاملة، فقد كانت الأيدي العاملة المحلية متوافرة ورخيصة، لكنها غير مدربة. ففتحت أرامكو هذه المدرسة بهدف إكساب العمال السعوديين المهارات التي تهيئهم للهمل في غير وظائف الأمريكيين، كما تساعدهم في التعامل مع رؤسائهم الأمريكيين.

لذلك سجلت في هذه المدرسة التي تعلم طلبتها باللغة الإنجليزية، وكنت أذهب إليها بعد أن ارتاح لمدة ساعة واحدة فقط عقب انتهاء دوامي، فإذا عدت من المدرسة أنصرف لاستذكار ما درسته، بينما يمضي زملائي العمال أوقاتهم بالتسلية ولعب الورق، ويستغربون من انشغالي بالمراجعة والدراسة المسائية وجديتي الزائدة حسب تقديرهم، وما عرفوا أني خرجت من عند أهلي إلا بدافع التعليم. وفي بعض الليالي كنا نذهب للاستماع إلى الراديو، فنجلس على رمل مرتفع حول مقهى تسمى آنذاك "قهوة"، يملكها أو يديرها شخص سوداني، وسبب جلوسنا في خارجها أننا لا نستطيع دفع قيمة ما يقدم فيها من مشروبات، وبالتالي لا يحق لنا الجلوس داخل القهوة.

درس معي زملاء في نفس عمري، أذكر منهم عبدالرحمن العوهلي، وسعود الزامل، وأحمد الصالح، وبعد التخرج في المدرسة اختارتني الشركة مع هؤلاء الثلاثة ضمن مجموعة مختارة بعناية عددها يصل إلى الثلاثين طالباً بهدف تدريبنا، ثم ابتعاثنا إلى لونج آيلاند في أمريكا، لنصبح قيما بعد معلمين في أرامكو لتدريس اللغة العربية للموظفين الأمريكيين الذين سيعملون في السعودية، ولكن توقف ابتعاثنا بسبب الحرب الكورية (1950 – 1953)، والخيرة خفية.

وفجأه تغييب الزملاء الثلاثة (العوهلي، الزامل والصالح) عن المدرسة في وقت متزامن، ثم علمت أن عبدالرحمن العوهلي سافر إلى العراق أو الكويت، وذهب سعود الزامل لدراسة الطب، أما أحمد الصالح فالتحق بعمل إداري في الشرطة.

بعد تعرقل البعثة، عينت معلماً للغة الإنجليزية في أرامكو، فأحببت العمل بالتعليم، ولأجل ذلك حولت غرفتي في المساء إلى فصل دراسي، لتعليم زملائي من العمال السعوديين، وأغلبهم أكبر سناً مني. القراءة والكتابة باللغة العربية، فأحضرت السبورة والطباشير والأوراق، وحرصت على تعليمهم فترة من الزمن، بعدما اقتنعوا أن التعليم أكثر فائدة لهم من لعب الورق، ولم يرق لي أن يتعلموا القراءة والكتابة بلغة أجنبية بينما يجهلون لغتهم الأم قراءة وكتابة.

لم أكتسب خلال دراستي وعملي مع الأمريكيين في شركة أرامكو المعرفة والمهارة المهنية فحسب، بل تعلمت كيف أكون معلماً جاداً عاشقاً لمهنة التدريس وتعليم الآخرين، وتعودت على كيفية احترام النظام، وأجدت إدارة نفسي أولاً قبل إدارة الآخرين، وفقهت كيف أحدد أهدافي، وكيف أصل إليها بعد ذلك، وتمرست على التعامل مع المشكلات واتخاذ القرارات، وفي خضم انصرافي الكامل للتعليم ومنحه كل وقتي، جاء إلى في يوم ما زائر وأنا في فصلي مع طلابي.

دخل علي في الفصل الدراسي أثناء تدريسي للطلاب رجل أمريكي لا أعرفه، ورغب في الحديث معي على انفراد، فطلبت منه انتظاري خارج الفصل حتى أفرغ من الدرس لطلابي، وحين خرجت إليه قال لي: أنا فرانك، مدير المشروع الزراعي في مدينة الخرج، الذي تديره أرامكو أيضاً، ويشمل مشاريع في الزراعة والدواجن والأبقار، ويعمل في عدد من السعوديين والأمريكيين.

فقلت لفرانك: ما هو المطلوب مني؟ فأجابني: نحتاجك للعمل مترجماً معنا في الخرج، فاعتذرت له بحجة أنني مرتاح في عملي الحالي وأرى أن مستقبلي فيه، فلم يدركه اليأس من جوابي وقال لي: ما رأيك أن تأخذ إجازة لمدة شهر، وتجرب العمل معنا، فإن أعجبك الوضع تعاقدنا معاً، وإن لم يعجبك تعد إلى عملك في الظهران. وبعد تفكير بالعرض أعجبتني الفكرة، ووافقت أن أخوض التجربة، فسافرت إلى الخرج، والحياة تحتاج إلى جرأة محمودة وتجارب مختلفة.

التعليقات ()

مشاركة

أخر الأخبار

فرحة عارمة لجماهير الأخضر بعد التأهل لنصف النهائي .. فيديو
فرحة عارمة لجماهير الأخضر بعد التأهل لنصف النهائي .. فيديو
الرياض
منذ 58 دقيقة
0
1518
العقيدي: فوز صعب أمام فلسطين ومنحنا دفعة قوية للمرحلة المقبلة .. فيديو
العقيدي: فوز صعب أمام فلسطين ومنحنا دفعة قوية للمرحلة المقبلة .. فيديو
الرياض
منذ 59 دقيقة
0
1514
البكيري: أعطني مثل سالم قلب وروح ومهارة وارمني في بحر التحديات!
البكيري: أعطني مثل سالم قلب وروح ومهارة وارمني في بحر التحديات!
الرياض
منذ 1 ساعة
0
66866
ملك السويد يسلّم العالم السعودي عمر ياغي جائزة نوبل للكيمياء 2025 .. فيديو
ملك السويد يسلّم العالم السعودي عمر ياغي جائزة نوبل للكيمياء 2025 .. فيديو
الرياض
منذ 1 ساعة
0
1529
الفراج: الأخضر بحاجة لعمل والفوز أمام فلسطين جاء باجتهاد اللاعبين فقط .. فيديو
الفراج: الأخضر بحاجة لعمل والفوز أمام فلسطين جاء باجتهاد اللاعبين فقط .. فيديو
الرياض
منذ 1 ساعة
0
1531
إعلان
مساحة إعلانية