Slaati
الدكتور خالد الحبشان

القانون البيئي العابر للحدود والعقود الخضراء: سيادة جديدة في زمن الاقتصاد الأخضر

منذ 2 شهر02117

مشاركة

لم تعد التحديات البيئية في عالمنا المعاصر مجرد قضايا فنية تتولاها وزارات البيئة أو منظمات المجتمع المدني، بل أصبحت معارك سيادية تحدد موقع الدول في الخريطة الاقتصادية والمالية العالمية. التغير المناخي، وفقدان التنوع البيولوجي، والتلوث العابر للحدود، لم تعد أحداثًا محلية، بل قوى صامتة تعيد رسم مفهوم السيادة وتجبر الحكومات على إعادة تعريف أولوياتها.

السيادة البيئية وأدوات القانون الدولي

لم يعد بإمكان أي دولة أن تدّعي السيادة على مواردها دون أن تثبت مسؤوليتها أمام المجتمع الدولي عن إدارتها وحمايتها. وهنا يبرز القانون البيئي العابر للحدود (Transboundary Environmental Law) كأداة استراتيجية لإعادة صياغة العلاقة بين الدول، حيث تتحول السيادة من تحكم مطلق إلى شراكة مسؤولة، تقوم على مفهومي السيادة التعاونية والحوكمة البيئية الكونية.
وقد تجلى هذا التحول في اتفاقية باريس للمناخ (2015) التي وضعت لأول مرة أهدافًا وطنية ملزمة بشأن خفض الانبعاثات.
الامتثال البيئي لم يعد رفاهية أو خيارًا سياسيًا، بل أصبح معيارًا يحدد قدرة الدول على الوصول إلى التمويل والاستثمار. المؤسسات المالية والبنوك التنموية، مثل البنك الدولي ومؤسسة التمويل الدولية، باتت تقيم الجدارة الائتمانية بناءً على الأداء البيئي، ما ينعكس على شروط الإقراض وتصنيف المخاطر.
أمثلة على ذلك:
- آلية تعديل الكربون على الحدود (CBAM) في الاتحاد الأوروبي منذ 2023، التي تفرض على الدول المصدرة دفع تكلفة انبعاثات الكربون في منتجاتها.
- قانون اليقظة الفرنسي (2017) الذي يلزم الشركات متعددة الجنسيات بمسؤولية قانونية عن الأضرار البيئية والحقوقية في سلاسل التوريد، حتى خارج فرنسا.

أمثلة عالمية وإقليمية

تشير بيانات BloombergNEF إلى أن قيمة السندات الخضراء في الصين تجاوزت 250 مليار دولار بين 2016 و2023، نتيجة سياسة تنظيمية مشجعة من بنك الشعب الصيني تربط التمويل بتحقيق أهداف الاستدامة.
في المقابل، أظهرت غابة الأمازون الممتدة عبر تسع دول أن تدهور نظام بيئي في دولة واحدة يمكن أن يهز توازن المناخ العالمي، ما دفع إلى توقيع معاهدة التعاون الأمازوني (ACTO) لتنسيق السياسات الإقليمية.
أما في الخليج العربي، فقد كشف تسرب النفط في خليج عمان عام 2019 – وفق تقارير هيئة البيئة العمانية وبرنامج الأمم المتحدة للبيئة – عن ضعف التنسيق القانوني في مواجهة الأضرار البيئية العابرة للحدود، مما يفرض إنشاء أطر قانونية عربية متكاملة لمكافحة التلوث البحري، والعواصف الرملية، وانبعاثات النقل العابر للحدود.

العقود الخضراء كأداة سيادية

في السعودية، بدأت خطوات جادة نحو الدمج بين البيئة والاقتصاد من خلال مشاريع مثل "ذا لاين" في نيوم، الذي يطبق معايير صفر انبعاثات كربونية منذ مرحلة التخطيط، وفق تقارير الهيئة الملكية لنيوم. كما أطلقت وزارة الشؤون البلدية والقروية والإسكان في 2022 برنامج المشتريات الخضراء لدمج الاستدامة في مشاريع المدن الذكية.
وفي سلطنة عمان، تم تضمين معايير الأداء البيئي في عقود تطوير ميناء الدقم لحماية التنوع البيولوجي البحري، بالتعاون مع وزارة البيئة ووكالة الاستثمار العمانية، ضمن إطار تقييم الأثر البيئي الإلزامي للمشاريع الساحلية.
دوليًا، أثبتت التجارب أن العقود الخضراء أصبحت إلزامية في قطاعات البناء والطاقة والمشتريات الحكومية في الاتحاد الأوروبي وكندا وأستراليا، حيث تضمنت بنودًا لخفض الانبعاثات وإدارة النفايات وفق مبادئ الاقتصاد الدائري، استنادًا إلى مبادئ العقود العامة الخضراء الصادرة عن المفوضية الأوروبية.
أما في سنغافورة، فمنذ 2018 تم ربط دفعات المقاولين في مشاريع البنية التحتية بتحقيق أهداف محددة مثل خفض استهلاك الطاقة بنسبة 15٪ وتقليل النفايات بنسبة 30٪، وفق تقارير هيئة البناء والإنشاء السنغافورية (BCA)، ما ساهم في توفير أكثر من 100 مليون دولار سنويًا وخفض البصمة الكربونية الوطنية.

القانون البيئي العابر للحدود والعقود الخضراء ليسا قيودًا، بل مفاتيح للاندماج الآمن في اقتصاد منخفض الكربون، وجذب الاستثمارات الخضراء، وتعزيز النفوذ في مفاوضات المناخ العالمية.
الدول التي تدرك ذلك مبكرًا ستحتل موقع القيادة في الاقتصاد الأخضر القادم، أما التي تتأخر فستواجه عزلة مالية وتجارية متزايدة.
لذلك فإن التحرك نحو أطر تشريعية متوافقة مع المعايير الدولية، وبناء تحالفات إقليمية لحماية الموارد، وتطوير قدرات التفاوض البيئي، لم يعد خيارًا، بل ضرورة استراتيجية لحماية السيادة وتعظيم النفوذ الاقتصادي.

التعليقات ()

مشاركة

أخر الأخبار

عشاء رومانسي يجمع ملكة كابلي و أحمد السالم لعيون قموري .. فيديو
عشاء رومانسي يجمع ملكة كابلي و أحمد السالم لعيون قموري .. فيديو
الرياض
منذ 17 دقيقة
0
1388
إطلاق سراح جدة بريطانية بعد 13 عامًا في زنزانة الإعدام
إطلاق سراح جدة بريطانية بعد 13 عامًا في زنزانة الإعدام
جاكرتا
منذ 19 دقيقة
0
1370
ترامب يصل إلى بالم بيتش لقضاء عطلة نهاية الأسبوع في منتجعه الخاص..فيديو
ترامب يصل إلى بالم بيتش لقضاء عطلة نهاية الأسبوع في منتجعه الخاص..فيديو
واشنطن
منذ 41 دقيقة
0
1451
ضجة بسبب مشاركة فتاة عراقية في مسابقة ملكة جمال الكون
ضجة بسبب مشاركة فتاة عراقية في مسابقة ملكة جمال الكون
بغداد
منذ 43 دقيقة
0
1457
ترامب يؤكد مقاطعته لقمة العشرين في جنوب أفريقيا
ترامب يؤكد مقاطعته لقمة العشرين في جنوب أفريقيا
واشنطن
منذ 52 دقيقة
0
1483
إعلان
مساحة إعلانية