
المَأفُون
قدموا وقد لبسوا القناع وأنشودة الذئب ترتسم على أوراق شفاههم الزرقاء مابين الزحام والضياع . بعضهم يحمل الأحداث في جعبته والبعض ممسوخ الشعاع . قدموا من كل حدبٍ وصوب يُدلفون بأقدامهم البطيئة كانت جيوبهم متورمة كبطونهم أقبلوا وتغاضوا عن إجلال المقام . كانت الجَبَّانة إزاءهم رحيبة وكان بغش الطل يُدغدغ عشب تلك التربة المكشوفة . العيون جريئة تجاور بعضها بظمأٍ واهتياج .. خاتمة ماكان يفطنون له أن يكون أحدهم في واحدٍ من تلك الحُفر النائمة بأعينها نحو السماء . جمعائهم يترقبون من كان بالأمس القريب بينهم واليوم إلتقطته يد المنون وانتشلته أعين القدر … ترى الإبتلاء مرتبٌ على تلك الأوجه الطيبة من قرابته أما البعض منهم فلا هم لهم إلا بالخوض في شأنهم الفاني ثلة منهم تشارك بعضها في ذلك السجال الذي روته إحدى الصحف الملونة عن زغاريد الحداد وأخرى تتحدث عن حقول الصبار والسلم والتين الشوكي في ذلك الريف البعيد وآخر بعيدٌ عن الحشد يداعب عبر مسرته الدوارة أزهار روضته التي ارتوت من مياه آسنة وهو يقبع تحت غشاوة نظارته السمراء وجلبابه الحريري الأبيض بحروفٍ يحتشم عنها الياسمين حينما يجادل فله وريحانه … ولج النعش الرواق وخطى بكل توقيرٍ إلى مستقره الختامي .. انتصب احدهم قرب مؤانسه وهمس في أذنه بأن يكون الليلة في مقطنه فالوليمه ستكون فاخره كوجهه والتلهي سيكون دامغاً … نهضوا على مضض الكل يُناظر الآخر بعبرات جائعة ومضوا بأجسادهم الشحيمه المضنيه للمواساة … وغادروها هاجرين رذاذ المطر وتحنانه ناقلين معهم على صفحات شفاههم التي أسقمها لهاث التبغ ضحكاتهم الممشوقه التي لم تغب عنهم وانصرفوا عنها بكل هناءه ومقلتهم لم تنوح وأفئدتهم لم تتضرع … رحلوا إلى عرباتهم الباذخه على أمل اللقاء فهل سيكون بعد ذلك لقاء ؟ وكيف يكون ولون الرحيل يشهق موته في ظلال النخيل حينما يميل نحو التراب المنقب ويسقط في الحصباء والطين البليل وحينها سيقفز الهواء الضرير بأنفاسه المكتومه ليرقدهم بأكفانهم في مكانٍ ضئيلٍ سادرٍ لابريق فيه ولا قَرَاح !!!