بوتين والشرع يطويان صفحة الماضي ويفتحان آفاق التعاون

لبنان
شهدت قاعات الكرملين مشهداً غير متوقع، حين جلس الرئيس أحمد الشرع إلى جانب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في لقاء رسمي حمل دلالات سياسية عميقة، عكست التحول الكبير في الموقف الروسي تجاه القيادة السورية الجديدة بعد عام واحد فقط من سقوط النظام السابق.
وبحسب مصادر، فإن اللقاء الذي جرى في «القاعة الخضراء» بالكرملين اتسم بحفاوة روسية لافتة وترتيب بروتوكولي دقيق، عكس أهمية الزيارة التي وصفت بأنها «تاريخية» في مسار العلاقات بين البلدين.
وأكد بوتين خلال المحادثات على عمق العلاقات الروسية ـ السورية التي تمتد إلى أكثر من ثمانية عقود، مشدداً على أن موسكو تبني شراكاتها على أساس مصالح الشعوب لا على المواقف السياسية المرحلية، في المقابل أبدى الشرع تقديره للدور الروسي، مشيراً إلى أهمية هذه المرحلة الجديدة في إعادة بناء سوريا وفتح صفحة التعاون الاستراتيجي مع موسكو.
وأوضحت مصادر روسية أن ملف القواعد العسكرية في سوريا كان ضمن النقاشات المغلقة بين الرئيسين، مشيرة إلى رغبة مشتركة في وضع إطار قانوني جديد ينظم الوجود العسكري الروسي ويعيد ترتيب مهام القوات وصلاحياتها، كما نوقش ملف العدالة الانتقالية بشكل عابر دون التوصل إلى اتفاق نهائي حوله، فيما تحدثت تسريبات عن تفاهم مبدئي لإدارة مشتركة للقاعدة الجوية في «حميميم» وإعادة فتح مطار اللاذقية، إلا أن الجانب الروسي لم يؤكد ذلك رسمياً.
وأشاروا الخبراء الذين تابعوا الزيارة إلى إمكانية لعب موسكو دوراً في تهدئة الأوضاع ببعض المناطق السورية، خصوصاً في الشمال الشرقي والجنوب، إلى جانب جهود محتملة للوساطة مع إسرائيل لضمان عدم استهداف المنشآت العسكرية السورية، في إطار خطة لإعادة تأهيل الجيش وتزويده بأنظمة دفاع متقدمة.
أما الملف الاقتصادي فشكل محوراً رئيسياً في المحادثات، إذ أبدت موسكو استعدادها لإعفاء دمشق من بعض الديون المستحقة مقابل منح الشركات الروسية فرصاً في مشاريع إعادة الإعمار، كما أعلن نائب رئيس الوزراء الروسي ألكسندر نوفاك أن بلاده مستعدة للمساهمة في إعادة تأهيل محطات الطاقة والبنى التحتية للنقل والغاز والنفط، إضافة إلى إرسال مساعدات غذائية وطبية عاجلة.
وفي تصريحات لاحقة، أكد نوفاك أن الجانبين ناقشا مشاريع محددة في مجالات الطاقة والنقل والسياحة والرعاية الصحية، بينما أكد وزير المالية السوري محمد برنية من واشنطن أن بلاده مستعدة لتقديم فرص واسعة لروسيا ضمن خطط الإعمار.
وشكل اللقاء، وفق مراقبين، خطوة حاسمة في تجاوز حقبة الأسد وفتح صفحة جديدة في العلاقات بين موسكو ودمشق، تقوم على التعاون الاقتصادي والأمني المتوازن، كما تم الاتفاق على استئناف الرحلات الجوية بين العاصمتين، في إشارة رمزية إلى عودة العلاقات إلى مسارها الطبيعي.
وتشير المعلومات إلى أن وزيري الخارجية والدفاع السوريين بقيا في موسكو لاستكمال التفاهمات وتوقيع اتفاقات جديدة، ما يؤكد أن الزيارة لم تكن بروتوكولية فحسب، بل بداية لمرحلة سياسية واقتصادية جديدة بين البلدين.